معارج الآمال
معارج الآمال لنور الدين السالمي- حسب الكتب
اصناف
وهذا كلام مجمل كما ترى، وقد سلك هذا الإجمال كثير من السلف فنراهم يقولون: "لا يسع جهل الجملة من غير تفصيل ولا تقييد بقيام حجة ولا غير ذلك"، وأنت خبير بأنه لا يكلف الله تعالى أحدا من خلقه إلا بحجة يقيمها عليه، قال تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}، وقال: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقال: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، فقد شاء - سبحانه وتعالى - أن لا يكلف عباده إلا بحجة وبيان، فكلام أبي إسحاق -رحمه الله تعالى- إنما هو محمول على من قامت عليه حجة الجملة، فإنه لا يسع أحدا بعد قيام الحجة أن يرتد أو يشك في الجملة ولا في شيء منها.
فمن كان قبل قيامها عليه غير مشرك فهو معذور، فإن أشرك بشيء من الوجود فهنالك توجه إليه الخطاب حيث أشرك، وهلك بشركه بعد قيام الحجة عليه، وهذا معنى قول أبي إسحاق: " إلا من كان على دين أحد الأنبياء بشرائع الإسلام فواسع له جهل معرفة محمد وما جاء به حتى يأتيه السماع به والحجة"، فإنه صريح في عذر من كان مسلما قبل قيام الحجة عليه برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وعذره هذا يدل على أن كلامه في لزوم الجملة إنما هو فيمن أنكرها أو شك فيها أو جهلها بعد قيام الحجة.
صفحہ 146