والسنة فهي سنة الله عز وجل، وإنما نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مجاز الكلام؛ إذ هو المبلغ لها، والآتي عن الله سبحانه بها، كما يقال للقرآن: كتاب محمد، وكما يقال للإنجيل: كتاب عيسى، وكما يقال للتوراة: كتاب موسى، قال الله سبحانه في ذلك، وما كان من الأمر كذلك: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا}[هود : 17]، فسماه كتاب موسى ونسبه إليه، وإنما هو كتاب الله عز وجل الذي نزل على موسى. وكذلك مجرى السنة في قول القائل: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يريد سنة الله، ومعنى سنة الله، فهو فرض الله وحكمه، وتبيانه لدينه وعزمه، قال الله جل جلاله: {سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}[غافر: 85] يريد سبحانه بقوله: سنة الله، أي ذكر الله وفعله، وصنعه في خلقه وأمره.
ومن قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد بها غير ما ذكرنا من المعنى، أو توهم في ذلك أنه شيء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا من الله؛ فقد جهل أمر الله، وحرف معاني وتأويل قول الله، ونسب البهتان إلى رسول الله صلى الله عليه، وقال بأفحش القول في الله سبحانه وفيه.
والسنة فلم تعارض الكتاب أبدا؛ بإبطال لحكم من أحكامه، ولا أمر من أمره، ولا نهي عن نهيه، ولا إزاحة شيء من خبره، ولا رد شيء من منسوخه، ولانسخ شيء من مثبته، ولا إحكام شيء من متشابهه، ولا تغيير شيء من محكمه، بل السنة محكمة لكل أمر من الأحكام المؤصلة، المبينة للمعاني المفصلة، مفرعة للمجملات المنبئة(1) عن التأويلات، يشهد لها محكم الكتاب، وتنبي عنها جميع الأسباب؛ أنها من الله رب الأرباب.
صفحہ 665