ومن الحجة في ذلك أنه لو كان كما يقول الجاهلون، ويتكلم به الضالون، من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرع هذه الفروع، من نفسه، وأوجدها(1) وبينها من دون ربه؛ لكان محمد عليه السلام؛ المفترض لجميع هذه الفرائض والأحكام على جميع الأنام، دون الله الواحد ذي الجلال والإكرام، ولو كان صلوات الله عليه المفترض لذلك، المحدد له الجاعل على أمته، لكان هو المتعبد لها بفرضه، المدخل لها في حكمه، المصرف لها في عبادته، دون الله تبارك وتعالى عن ذلك، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون كذلك؛ لأن الأمة إنما عبدت الله بهذه الشرائع وهذه الفروع، وبإقامة هذه الأحكام، وتحليل الحلال منها وتحريم الحرام.
فلو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يقول الجاهل(2) من أهل هذا المقال هو المفرع لهذه الفروع والناشر لها والمتخير فيها، المحلل لحلالها المحرم لحرامها، اختيارا منه بفعله، وتمييزا منه بلبه، وحتما منه على أمته، اختراعا له دون ربه؛ لكان محمد متعبدا(3) للأمة بفرضه، وكانت الأمة عابدة محمدا دون ربه؛ إذ هي قائمة بفرائض محمد ساعية فيها، مقيمة لها مستقيمة عليها. وفي هذا ومثله وفي القول بيسيره أكفر الكفر بالله سبحانه وأجهل الجهل به، وأكبر الطعن على رسوله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
بل القول في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفترض فريضة دون الله، ولم يحكم في دم ولا فرج إلا بالله، وأن الله سبحانه هو مؤصل الأصول، ومجمل المجمل(4)، ومفصل المفصل، ومفرع المفرعات، ومبين الملتبسات، المتولي لتعبد خلقه؛ بما شاء سبحانه من فرضه. وأن نبيه صلوات الله عليه لم يزد ولم ينقص في شيء مما أمر بتبيينه للعباد، وأنه قد بلغ وأرشد غاية الإرشاد.
صفحہ 660