204

معالم القربة في طلب الحسبة

معالم القربة في طلب الحسبة

ناشر

دار الفنون «كمبردج»

فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقُ الدِّينِ يَأْخُذُ مِنْ الْخَصْمَيْنِ شَيْئًا ثُمَّ يَتَمَسَّكُونَ فِيهِ بِسَبَبِ الشَّرْعِ فَيُوقِفُونَ الْقَضِيَّةَ فَيَضِيعُ الْحَقُّ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ طَالِبِهِ وَصَاحِبِهِ فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ، فَإِنَّ الْحَقَّ يَظْهَرُ سَرِيعًا مِنْ كَلَامِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَكِيلٌ فَكَانَ تَرْكُ الْوُكَلَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْلَى مِنْ نَصْبِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْبُرُوزِ فَتُوَكِّلُ، أَوْ صَبِيٌّ فَحِينَئِذٍ يُنَصِّبُ الْحَاكِمُ عَنْهُ وَكِيلًا. [فَصَلِّ فِي الشُّهُود وَمَا يَتَعَلَّق بِهِمْ] الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ وَسُمِّيَ الْعَدْلُ عَدْلًا لِاسْتِوَاءِ أَفْعَالِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا مَيْلٌ عَنْ الصَّوَابِ، وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بِفَضْلِهَا فِي مَوَاضِعَ وَجَاءَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ أَعْلَى مَنَازِلِ الرِّيَاسَةِ وَرَفَعَهَا وَنَسَبَهَا إلَى نَفْسِهِ وَشَرَّفَ بِهَا مَلَائِكَتَهُ وَأَجَلَّ خَلْقِهِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٦٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ٩٨] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] فَجَعَلَ كُلَّ نَبِيٍّ شَهِيدًا عَلَى أُمَّتِهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ خَلْقِهِ فِي عَصْرِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْزِلَةً وَأَعْلَى رُتْبَةً وَكَفَى بِالشَّهَادَةِ شَرَفًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَفَضَ الْفَاسِقَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَرَفَعَ الْعَدْلَ بِقَبُولِهَا. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] فَأَخْبَرَ ﷾ أَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الْمَرْضِيُّ فَقَالَ: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ [البقرة: ٢٥١] يَعْنِي هُوَ مَا يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ النَّاسِ بِالشُّهُودِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ فَهُمْ حُجَّةُ الْأَنَامِ وَبِقَوْلِهِمْ تَنْفُذُ الْأَحْكَامُ، وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ

1 / 209