16 أغسطس 1975
وصلت لتوي إلى «ميرانو
Merano »، وهي المكان الذي قضينا فيه إجازتنا الأخيرة في أغسطس 1973. ثم ودعنا بحيرة «جارد
Garde » وانتظرنا في «جنوة
Gêne » كالعادة، المركب الذي سيقلنا.
في كل مرة أترك فيها غرفتي أو أعود إليها، ألقي نظرة على الباب القريب من الغرفة والذي كان باب غرفتنا آنذاك. أراه ثانية على مقعده وفي سريره، صغيري المسكين الذي هزل كثيرا. كنت أتوصل أحيانا إلى أن أجعله يجلس على الشرفة الكبيرة المطلة على الحديقة التي تحيط أفقا من الجبال العذبة. على هذه الشرفة أخذنا صورنا الأخيرة. كان مؤنس موجودا معنا بصحبة زوجته وابنته، وكان طه في هذه الصور يبتسم لحفيدته. ففي كل عام، كانت هذه الطفلة تأتي إلى هنا وتسليه بمرحها الجميل وبحبورها الذي كانت تقص به مغامراتها في المدرسة الثانوية وتفعمه حنانا؛ إذ تلبي متعة شخصية بأن تقرأ له نصا كانت تقوم باختياره. لقد كانت تحب دوما أن تقرأ له، وكم كان منظرها يمس شغاف القلب عندما كانت في السادسة من عمرها، في «ترييست
Trieste »، جالسة على كرسي أعلى منها، وساقاها الصغيرتان تعلوان عن الأرض ثلاثين سنتيمترا، وقد ارتسم على وجهها طابع الجد والهيبة وهي تتناول كتابا لتقرأ له.
في ذلك الصيف كان قليل الضحك قليل التغذية، وكانت أمينة هي التي تنجح في جعله يقبل القليل من الغذاء الذي كان يبتلعه.
ويخيل إلي أن مؤنس كان يستشعر، وهو يغادرنا مع زوجته وابنته، أنه لن يرى أباه ثانية. لم أرافقهم إلى الطابق الأسفل كما كنت أفعل عادة، وإنما تابعتهم وأنا أستند إلى الباب بعيني على طول الدهليز العريض. وكنت أشعر بعمق أنهم يؤلفون مجموعة ذات كيان خاص، خلية قد انفصلت عنا.
وعندما اختفوا في المصعد، شعرت نحوهم بحنان هائل مفاجئ في حين كنت أدعو لهم أن يكون طريقهم مستقيما لا تعترضه الأشواك. لقد كانوا يبدون لي أكثر قوة وأقل حماية في آن واحد.
نامعلوم صفحہ