فقد أرسل لي هذه الآيات من سفر أيوب:
أما أنا فقد علمت أن وليي حي
والآخر على الأرض يقوم
وبعد أن يفنى جلدي هذا
وبدون جسدي أرى الله. (الإصحاح التاسع عشر: 25-26)
لم يسبق له أن رأى طه، وكان قد قرأ في لبنان كتابه «الأيام» وتمنى من كل قلبه أن يتعرف عليه. وفكرت أن بوسعه أن يرى هذا الوجه حتى في سكون الموت؛ ولقد رآه.
كان هذا الوجه جميلا، ولم يكن له - شأنه شأن جبهته - من العمر ثلاثة وثمانون عاما! وكانت ترتسم عليه هذه الابتسامة الرقيقة التي كنا نحبها. وكان الشعر الذي بقي كثيفا، يكاد يكون رماديا. أما الجسد، فقد كان يستسلم للراحة بهدوء. كل شيء كان يعبر عن الصفاء والسلام. ولن تنسى جان انفعالها عندما كانت تنتزع من إصبعه خاتم الزواج لتعطيني إياه؛ فقد انغلقت اليد التي بقيت لينة على كف صديقنا، كأنما لتقول لها: «إلى اللقاء.» ليس من الممكن أن يتصور المرء أنه كان ثمة احتضار. لا، فقد كان اليوم يوم أحد، اليوم الثالث من رمضان، ساعة الفجر - ساعة التجلي الإلهي - وإني لعلى ثقة من أن الله كان يصحبه على هذا النحو دون أن أستشعر ذلك؛ إذ ما شأني فيما يجري بينهما؟!
كان من الصعوبة بمكان على ولدي أن يحضرا. كانت مصر منتصرة، لكن الحرب لم تكن قد انتهت،
12
وكان المطار مغلقا. واستطاعت ابنتي وصهري الذي كان وزيرا للخارجية
نامعلوم صفحہ