وجلست قربه، مرهقة متبلدة الذهن وإن كنت هادئة هدوءا غريبا (ما أكثر ما كنت أتخيل هذه اللحظة المرعبة!) كنا معا، وحيدين، متقاربين بشكل يفوق الوصف. ولم أكن أبكي - فقد جاءت الدموع بعد ذلك - ولم يكن أحد يعرف بعد بالذي حدث. كان الواحد منا قبل الآخر. مجهولا ومتوحدا، كما كنا في بداية طريقنا. وفي هذا التوحد الأخير، وسط هذه الألفة الحميمة القصوى، أخذت أحدثه وأقبل تلك الجبهة التي كثيرا ما أحببتها؛ تلك الجبهة التي كانت من النبل ومن الجمال بحيث لم يجترح فيها السن ولا الألم أي غضون، ولم تنجح أية صعوبة في تكديرها ... جبهة كانت لا تزال تشع نورا، «يا صديقي، يا صديقي الحبيب.» وظللت كل صباح، حتى عندما لم نعد وحدنا، أقول وأكرر القول: «يا صديقي»؛ لأنه قبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء كان أفضل صديق لي، وكان - بالمعنى الذي أعطيه لهذه الكلمة - صديقي الوحيد.
ما كان من الممكن لهذه البرهة من العذوبة الغامرة أن تستمر. كانت ابنتي في نيويورك وكان ابني في باريس. ولا يمكنني أن أصف المساعدة والعزاء اللذين غمرني بهما أوائل الذين هرعوا إلي من الأقربين. إن ما غمرني به ذلك اليوم الدكتور غالي وجان فرنسيس
8
وسوسن الزيات
9
وزوجها وماري كحيل والأب قنواتي
10
كان فوق كل تصور وفوق كل تعبير. لقد حمل محمد شكري على كاهله أعباء كل الإجراءات. وعندما قلت له: «ذلك أنني وحيدة تماما.» أجابني بتلك الكلمات: «لا تقولي ذلك؛ فكل البلد من ورائك.» وكذلك بكلمات أخرى، عندما أخبروني بأنهم سيأخذون طه إلى المستشفى بعد الظهر؛ كلمات إن بدت في ظاهرها قاسية، فقد كانت في حقيقتها بالغة الجمال: «إنه لم يعد يخصك.»
أما القس الشاب الجديد لحي الزمالك،
11
نامعلوم صفحہ