135

وفي سهرة قصر عابدين كنا هذه المرة امرأتين مصريتين: زوجة وزير قبطي مسيحية، وأنا.

كان برنامج الأعياد حافلا؛ فقد أقيمت حفلة غداء في المزرعة الملكية بأنشاص، وسهرة دبلوماسية زاخرة بباقات الأزهار. أما «السهرة الشرقية» فقد خلفت في نفسي ذكرى إرهاق كبير. لقد أقيمت السهرة في جناح «السلاملك» بقصر المنسترلي في جزيرة الروضة، وكان جناحا ساحرا يطل على النيل. كان ساحرا لكنه خرب تماما؛ إذ كانت خيوط العنكبوت في كل مكان، وكان الغبار يغمر حتى علاقات الثياب، أما زجاج النوافذ فقد كان معتما تماما، وكان السجاد الذي يحملونه ينفض كل الغبار تقريبا بحيث تتعب الرئتان من رفعه. ولم يكن أمامنا سوى عدة أيام لإعداد كل شيء من أجل السهرة؛ فجلبن المصابيح والكراسي، وأتي ببيانو، واستطاع تيميلي

227

أن يعزف ألحانا موسيقية لباخ وفوريه. كما عزفت موسيقى عربية بطبيعة الحال وأغنيات جميلة. وكانت زوجة رئيس جامعة باريس اللطيفة التي كانت قد عاشت في إسبانيا واضحة الاهتمام بهذه الأغنيات وبتلك الموسيقى، وكانت ليلة شتائية جميلة في الشرق.

وقال الملك بابتسامة ساحرة لطه على إثر خطابه في افتتاح معهد الصحراء خلال هذه الأعياد: «أشكرك يا باشا.»

هكذا منح طه لقب الباشا،

228

ذلك اللقب الذي لم يفكر فيه إطلاقا مثلما لم أفكر فيه من ناحيتي على الإطلاق. لقد شكر طه الملك بطبيعة الحال على ذلك، لكن هذا التكريم لم يحرك فيه ساكنا؛ فلم يكن من عبدة الألقاب. غير أن كثيرا من الناس كانوا سعداء بذلك، وتتالت برقيات التهنئة علينا شأن السنة الفائتة، بيد أنها زادت بتهنئة 180 مدعوا أجنبيا كانوا حاضرين يومها. وكان بعضهم يقول: «لقد تشرف اللقب بك ولم تتشرف به.» ولم نحزن لقيام الثورة بإلغاء كافة الألقاب بعد ذلك بسنتين؛ ذلك أن طه لم يغير على الإطلاق البطاقة التي كانت لا تحمل منذ زمن بعيد سوى كلمتين: طه حسين. وكانت وحدها بطاقة الدعاوى الرسمية التي تحمل اسمه واسمي «السيد والسيدة طه حسين.» قد حملت لقب الباشا؛ إذ كان من المعيب ألا يضاف اللقب.

كانت الأعمال تنفذ وتتتابع، ولم تكن الاحتفالات المختلفة تحول بيننا وبين الأسفار الرسمية؛ ففي الربيع قمنا برحلتين إلى نيس وروما، كما قمنا في الخريف برحلتين إلى مدريد ولندن، وفي السنة التي تلتها إلى أثينا وفلورنسا وفينيسيا.

كان طه في نيس يفتتح مشاركة مصر في الندوة التي أقامها مركز البحر المتوسط.

نامعلوم صفحہ