132

وفي منزل ابنتنا وجدنا «حسن» قد كبر. كان طه يطلبه غالبا، وكانت أجمل صفعات الصغير مخصصة له، وكان سعيدا. •••

لم نكن نتوقع أن يصبح طه وزيرا في يوم من الأيام. فقد كنا نرى دوما أن ثمة موانع حاسمة تقوم عقبة في وجه ذلك بسبب عاهته وأفكاره المتحررة الجريئة وطبعه المستقل والحاسم. فبوصفه مستشارا فنيا كان يكتب لرئيس المجلس، حيث هوجم بعنف، على هذا النحو:

نعم؛ إنني أدافع عن سياسة الوزير وسوف ألازمه في ذلك. وسألقي خطبا من أجل الدفاع عن الوزارة؛ ذلك لأنني أدافع عن سياستها التعليمية التي هي سياستي، ولن يستطيع أي إنسان أن يحول بيني وبين ذلك سواء كنت موظفا أم لم أكن (رسالة مفتوحة).

كان دون أي شك سعيدا لاستطاعته أن يحقق عددا من مشاريعه. فقد اجتاز بنضال عنيف الخطوة الحاسمة من أجل تحقيق مجانية التعليم التي كان قد طالب بها منذ عام 1942. وكان قد تقرر قبول المبدأ غير أنه لم يطبق، وكان الناس في الخارج على وعي كامل بما كان يعنيه هذا التحول الهائل. أما في مصر فقد سبب الأمر هيجانا، وقد تسلى طه عندما نقلت له كلمة تاجر بسيط لامرأته: «فلنأت بأولاد يا امرأة؛ فالآن يسعنا أن نعلمهم!»

وأمكن بعد ذلك المساعدة في تغذيتهم؛ وذلك عن طريق تقرير وجبة مجانية في المدرسة.

كما تأسست كلية جديدة للطب، وكذلك جامعة جديدة هي جامعة إبراهيم - جامعة عين شمس حاليا - وأنشئ المعهد الإسلامي في مدريد. وفي أثينا أنشئ كرسي جامعي للغة وللثقافة العربيتين، وكان يأمل تأسيس معهد في الجزائر.

وقد استخدم كل الوسائل الممكنة كي يزيد من عدد المدارس الابتدائية التي لم يكن عددها كافيا حتى وصل به الأمر أن قام بجولة مخيفة في محافظة الدقهلية وأراد أن يقوم بجولات أخرى أيضا. كانوا يريدون الاستماع إليه، وكان يقبل الكلام شريطة دفع مبلغ معين لبناء مدرسة، وكان بعض الوجهاء المأخوذين به يدفعون بشكل عفوي؛ فكان يعود إلي في حالة نفسية ممتازة.

لم يكن ثمة أبنية كثيرة في أكتوبر من أجل افتتاح المدارس، وكنت متوترة النفس قلقة؛ إذ كيف سيتدبرون أمرهم أمام هذا المد، هذا السيل من الأطفال الذين كانوا ينتظرون هذا الوعد الرائع؟ هذا دون حسبان الطلبة الذين قبلوا بكثرة في الكليات، وخاصة في كلية الطب. وبسبب انشغاله بالأبنية الجديدة وبالأساتذة الجدد لم يكن طه ينام مطلقا.

وتم افتتاح المدارس، وبدأت الآلة تمشي. لم تكن تتحرك دون هزات بالطبع، لكنها لم تكن تتوقف.

وفي العام التالي أمكن قبول 90٪ من التلاميذ المتوقع دخولهم المدارس في أكتوبر، أما الباقي فسيدخلون المدرسة في نوفمبر. ولم أفهم على الإطلاق كيف أمكن تدبير ذلك، ولا كيف كان يتغلب على عقبات محفوفة بالمخاطر على نحو خاص. ولقد قرأت بعد سنوات عديدة مقالا مؤثرا لعالم ألماني كان مكفوفا هو الآخر أدهشني منه هذا المقطع:

نامعلوم صفحہ