مع العرب: في التاريخ والأسطورة
مع العرب: في التاريخ والأسطورة
اصناف
ونسج ابن مرينا وأعوانه مكيدة من أخبث المكائد، ذلك أنهم زوروا نص كتاب على لسان عدي، وأرسلوه إلى قهرمان لدى كسرى، ثم دسوا من جاءهم بالكتاب فأطلعوا النعمان عليه، فإذا فيه شتم له وتعريض بملكه، فغضب النعمان واستزار عديا وقذف به في السجن، فانطلق أبي، أخو عدي، يستغيث بكسرى، فبعث الملك الفارسي إلى ملك الحيرة يأمره فورا بإطلاق عدي، فدس النعمان إلى سجينه من قتله، ثم أنفذ أمر كسرى فأطلق سراح الجثة!
وكان لعدي ولد سماه زيدا، ففر الولد خوفا على دمه، ثم أدرك النعمان أن عديا كان مكذوبا عليه، فأسف وكفر عن ذنبه بهذا الغسل العجيب الذي يقال له الندم، الذي يستعمله من يذنبون وهم فوق يد القانون.
واتفق أن خرج النعمان للصيد، فلقي غلاما عرف فيه ملامح عدي، فسأله عن نفسه، فإذا هو زيد بن عدي، فأظهر له الحزن على ما حل بأبيه، وحمله إلى بلاطه وأعطاه العطايا ، ثم قدمه إلى كسرى، فشب زيد في البلاط الفارسي، ولم يلبث أن أصبحت له منزلة أبيه من قبله لدى الملك.
على أن زيدا لم ينس للنعمان فعلته بأبيه، ولم يغتفرها له، وترقب الفرص ليوقع به عند كسرى.
وصادف أن كان في خزانة ملوك الفرس رقعة مكتوب فيها صفة المرأة التي تؤثر على غيرها من النساء، قال الراوي: وكان الفرس يتبركون بالوجه الجميل، وأكثر الناس فرس من هذا القبيل، وعثر كسرى يوما على تلك الرقعة، وود أن تكون له امرأة تطابق صفتها الصفة التي قرأها، ولم يخطر بباله أن يبعث في طلب المرأة من أرض العرب، ولكن زيدا آنس فرصة فقال له: أيها الملك، إن الرقعة التي وجدتها كتبها المنذر الأكبر ملك الحيرة، وقد غنم من الحارث الأكبر الغساني جارية فذة الجمال، فأهداها إلى أنو شروان، فابعث أنت إلى النعمان يبعث إليك جارية وفق المراد.
1
أما الصفة المكتوبة في الرقعة فلن أتلوها عليك، أيها القارئ، لأنني أخشى أن تصرف ذهنك عن متابعة ما نحن فيه!
وانقضت أيام، فإذا بزيد ورجل فارسي ينطلقان من المدائن إلى الحيرة، فلقد أنفذهما كسرى ليأتياه من النعمان بامرأة تطابق صفتها الصفة التي عثر عليها فشغلت عقله وحسه.
وبلغ زيد ورفيقه الحيرة، ومثلا أمام النعمان، فلما قرأ كتاب الملك الفارسي، برم وقال: أما في مها السواد وعين فارس ما يكفي به الملك حاجته؟ فسمع الفارسي وسأل زيدا: ما معنى هذا؟ فنقل له زيد الكلام بحرفه، وترجم لفظتي «المها» و«العين» بلفظة «كاوان» الفارسية، ومعناها البقر!
ثم قفل زيد ورفيقه إلى المدائن، وزيد أعلم الناس بأنه قد وفق في عقدة عقدها لن تلبث أن تشتد على مخنق النعمان، وقال الفارسي لكسرى: إن النعمان ملك الحيرة يسألك: أليس في بقر السواد وفارس ما تكفي به حاجتك؟ فها نحن نعود إليك كما انصرفنا عنك.
نامعلوم صفحہ