مع العرب: في التاريخ والأسطورة
مع العرب: في التاريخ والأسطورة
اصناف
ووقعت المشكلة العويصة، واعتصم كل فريق بمنطق من الكلام يحاول أن يقنع به الفريق الآخر، ولكنه احتفظ في النهاية بنوع آخر من المنطق هو أشد إقناعا.
وانبرى كثيرون من السعاة بالخير لتسوية المشكلة.
أما في شبه الجزيرة العربية، أيام الجاهلية، فقد برز من هؤلاء السعاة بالخير حاتم الطائي فقال: لا يسوي المشكلة كالكرم، وكان حاتم رجلا موسرا، وكان سخيا بذالا، فإذا وقع القحط أو اشتد البرد ويبست موارد الرزق من زرع وضرع، اجتهد في أن يعين الفقراء بما وسعته قدرته الواسعة.
على أن حاتما، وحده، لم يكن ليستطيع قومة بعبء المعوزين، ولم يكن ليجاريه أحد في بذله وسخائه، فكانت الغاية أن حاتما لم يطق، رغم طاقته، أن ينفع إلا نفرا قليلا من ذوي الحاجات، وكثيرا ما ساءت الحال بينه وبين امرأته، ومات لما مات، والفقراء فقراء والأغنياء أغنياء.
وأراد رجل آخر، في زمن الجاهلية أيضا، أن يحل المشكلة العويصة. ذلك هو عروة بن الورد العبسي.
لقد كره عروة طريقة حاتم في التسوية، وأبى على الصعاليك الذين لا يملكون شيئا أن يعيشوا بكرم الأغنياء، إن كان الأغنياء كرماء.
وبات إذا وقع القحط، وقسا البرد، يقول للصعاليك: تعالوا نجعل رزقنا في أسنة رماحنا. ففريق وافق، وفريق خالف، وقال الذين خالفوا: نطوف بأبواب الأغنياء حتى تنكشف الغمة وتنجلي الأزمة.
فأنشد عروة شعره الذي يقول فيه:
لحا الله صعلوكا إذا جن ليله
مصافي المشاش آلفا كل مجزر
نامعلوم صفحہ