فَمَسَحَهُ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ عِنْدَ مِلْءِ الْفَمِ - بِالْآثَارِ فَبَقِيَ مَا دُونَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ بَلْوًى فَإِنَّ مَنْ يَمْلَأُ مِنْ الطَّعَامِ إذَا رَكَعَ فِي الصَّلَاةِ يَعْلُو شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ فَلِلْبَلْوَى جَعَلْنَا الْقَلِيلَ عَفْوًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إذَا تَجَشَّأَ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ شَيْءٍ، وَلِهَذَا خَبُثَ رِيحُهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّ الْفُسَاءَ جُعِلَ حَدَثًا، وَحَدُّ مِلْءِ الْفَمِ أَنْ يَعُمَّهُ، أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ، وَقِيلَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ، وَعَلَى هَذَا حِكَايَةُ عَابِدٍ بِبَلْخٍ يُقَالُ عَلِيُّ بْنُ يُونُسَ أَنَّ ابْنَتَهُ سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ إنْ خَرَجَ مِنْ حَلْقِي شَيْءٌ فَقَالَ لَهَا إذَا وَجَدْتِ طَعْمَهُ فِي حَلْقِكِ فَأَعِيدِي الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَأَيْت النَّبِيَّ ﷺ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَا يَا عَلِيُّ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ فَجَعَلْت عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِي بَعْدَ هَذَا أَبَدًا.
(فَإِنْ قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ مُرَّةً، أَوْ طَعَامًا، أَوْ مَاءً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ، أَوْ أَمْذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَيْءُ لَيْسَ بِحَدَثٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا شَرِبَ الْمَاءَ، وَقَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَجَعَلَهُ قِيَاسَ خُرُوجِ الدَّمْعِ، وَالْعَرَقِ، وَالْبُزَاقِ، وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ بِالْوُصُولِ إلَى الْمَعِدَةِ يَتَنَجَّسُ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ، وَهُوَ نَجِسٌ فَكَانَ كَالْمُرَّةِ، وَالطَّعَامِ سَوَاءٌ.
(وَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا، أَوْ بُزَاقًا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ) أَمَّا الْبُزَاقُ طَاهِرٌ، وَبِخُرُوجِ الطَّاهِرِ مِنْ الْبَدَنِ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، وَالْبَلْغَمُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ نَجِسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ قِيلَ إنَّمَا أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا يَعْلُو مِنْ جَوْفِهِ، وَهُمَا فِيمَا يَنْحَدِرُ مِنْ رَأْسِهِ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ فَالْمُنْحَدِرُ مِنْ رَأْسِهِ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ جَانِبِ الْفَمِ، أَوْ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلنَّجَاسَاتِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَعْلُو مِنْ الْجَوْفِ فَأَبُو يُوسُفَ ﵀ يَقُولُ: الْبَلْغَمُ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ نَجِسًا كَالْمُرَّةِ، وَالصَّفْرَاءِ، وَلِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَاتِ فَكَانَ نَجِسًا بِالْمُجَاوَرَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا: الْبَلْغَمُ بُزَاقٌ، وَالْبُزَاقُ طَاهِرٌ.
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي أَعْلَى الْحَلْقِ تَرِقُّ فَتَكُونُ بُزَاقًا، وَفِي أَسْفَلِهِ تَثْخُنُ فَيَكُونُ بَلْغَمًا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ خُرُوجَهُ لَيْسَ مِنْ الْمَعِدَةِ بَلْ مِنْ أَسْفَلِ الْحَلْقِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلنَّجَاسَةِ فَالْبَلْغَمُ هُوَ النُّخَامَةُ «، وَقَالَ ﷺ لِعَمَّارٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا نُخَامَتُك، وَدُمُوعُ عَيْنِكَ، وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ إلَّا سَوَاءً».
(قَالَ)، وَإِنْ قَاءَ دَمًا فَعَلَى
1 / 75