وهذا النوع أربعة وهي المها والأيل واليحمور والثيتل وتعد كلها من الجواري وهذا الاسم يقع على الذئب والثعلب، وابن آوى، والسمع، وبقر الوحش وحمرة، والغزلان، والأرانب، لأنها كلها تشرب الماء في الوصف، إذا ظفرت به وإذا عدمته صبرت عنه واجترأت باستنشاق النسيم إلى أن تجده، وقال ابن أبي الأشعث في كتابه الذي وضعه في طبائع الحيوان البقر والأراوي واليحامير والظباء وجميع هذا النوع ليس بأرضي خالص، ولا ينبغي أن يسمى الحيوان الهوائي الأرضي لأنه خفيف الحركة متململ العدو على الأرض لأنه حرارة الهواء ليست فيه ذاتية، ولا برودة الأرض كذلك، إلا أن برودتها غالبة لحر الهواء، لأنها فيه أكثر، ولما كان كذلك صار بينه وبين الطائر ممازجة ومناسبة ما وذلك أنه إذا أراد العدة انتصب في وقفته، وطلب مهب الريح ثم استنشقها استنشاق الطائر حال طيرانه، ثم يزج نفسه مستقبلًا للريح، وربما أخافه مخيف، وكانت الريح تجيء من جهته فيحمل نفيه على الجهة التي فيها المخيف، وأيضًا فإنه يؤثر الهواء صيفًا وشتاءً لا يستتر منه ميلًا إليه ومحبة فيه.
فأما المها فيقال أن من طباعها الشبق والشهوة، وإذا حملت الأنثى هربت من الذكر خوفًا من عبثه بها وهي حامل، والذكر لفرط شهوته يركب ذكرًا آخر، وإذا ركب واحد منهما شم رائحة الماء الباقون فيثبون عليه بعد.
والبقر الوحشية أشبه شيء بالمعزى الأهلية، ولذلك تسمى نعاجًا، وقرونها صلاب جدًا تمنع بها عن نفسها، وأولادها كلاب الصيد، والسباع التي تطبق بها ويقال: إن أول من طارد البقر الوحشية على الخيل ربيعة بن نزار بن معد، وأنه لما كدها لجأت منه إلى ضالة فاستترت منه بها فرقً لها ورجع عنها
الوصف والتشبيه
كاتب أندلسي يصف بقرًا وحشية في رسالة طردية: عن لنا سرب نعاج يمشين رهوا كمشي العذارى، وينثنين زهوًا تثني السكارى، تخلج بالكافور جلودها، وتضمخ بالمسك قوائمها وخدودها، وكأنما لبست الدمقس سربالًا واتخذت السندس سروالًا.
من كل مهضمة الحشا وحشية ... تحمي مداريها دماء جلودها
وكأنما أقلام حبر كتبت ... بمداد هينيها طروس خدودها
فأرسلنا أول الخيل على آخرها، وخليناها وإياها، فمضت مضي السهام وهوت هوى السمام، فمالت في أسرابها يمينًا وشمالًا، فكأنما أهدت لآجالها آجالًا فمن متقٍ بروقه وكابٍ أتاه حتفه من فوقه.
وقال الأخطل يصف ثورًا وذكر واديًا:
فما به غير موشى أكارعه ... إذا أحس بشخص ماثل مثلا
كأن عطارة باتت تطيف به ... حتى تسربل ماء الورس وانتقلا
كأنه ساجد من نفح ديمته ... مقدس قام تحت الليل فابتهلا
يلقي التراب برد فيه وكلكله ... كما استماز رئيس المقنب الثقلا
وقال أيضًا يصفه في أبيات:
أو مقفر خاضب الإطلاق جاد له ... غيث يظاهر في ميثاء مبكار
فبات إلى جنب أرطاة تكفئه ... ريح شمالية هبت بأمطار
إذا أراد به التنغيص أرقه ... سيل يدب بهدم الترب موار
حتى إذا إنجاب عنه الليل وانكشفت ... سماؤه على أديم مصحر عار
أنسن أصوات قناص أحس بهم ... كالجن يهفون من جرم وأنمار
فأنصاع كالكوكب الدري يتبعه ... غضبان يخلط من معج وإحضار
وقال عدي بن الرقاع يصف ثورين يعدوان:
يتعاوران من الغبار ملاءة ... بيضاء محكمة نسجاها
تطوى إذا وردا مكانًا جاسيًا ... وإذا السنابك أسهلت شرها
والوصف البديع لسرعة عدوه قول الطرماح يصف ثورًا:
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد
1 / 42