ومنها أن جعل لعينيه أهدابا عليا وسفلى بخلاف سائر الحيوانات فإن ذوات الربع لها أهداب لأجفانها العليا دون السفلى، وليس لعيون الجناح أهداب البتة.
ومنها أن ميز أنفه بالشم والقنا وجعله مثلث الشكل مستطيلا مبرأ من الفطس والخنس.
ومنها النطق الذي لولاه كان صورة ممثلة أو بهيمة مهملة، وهو فصيح وإن عبر عن نفسه باللفظ والخط، والعقد، والإشارة.
ومنها ما في يده من المنافع فإنه، لما كان محتاجا إلى الخياطة والكتابة وسائر الصنائع العملية قسمت الأصابع، وقسمت الأصابع إلى أنامل، وهو وإن شاركه الصنائع الحيوان في حاستها المدركة للملامسة، والخشونة، واللين، واليبس، والحرارة، والبرودة فقد امتاز عنه بأن أضيف إليه معرفة الثقل والخفة، وكذا إن شاركه الهر والقرد في إجهاز ما يأكلانه إلى الفم فليس فيها من المرافق ماله، فإنه إذا بسط كفه كان طبقا، وإن قعره كان مغرفة، وإن ضم الكفين بعضهما إلى بعض في التقعير كان قبعا وإن ضم أصابعه كان له سلاحا يقاتل به عدوه.
وقال بعض الباحثين عن خلائق الإنسان أنه جمع فيه جميع ما تفرق في الحيوان ثم زاد عليها ثلاث خصال بالعقل للنظر في الأمور النافعة لتجلب والضارة لتتجنب، وبالمنطق لإبراز ما استفاد من العقل بواسطة النظر، وباليدين لإقامة الصناعات وإبراز الصور فيها مماثلة لما في الطبيعة من قوة النفس ولما انتظم له هذا كله جمع الحيل للطلب والهرب، والمكايدة والحذر، وهذا بدل من السرعة والخفة التي في الحيوان، واتخذ بيده السلاح مكان الناب والمخلب والقرن، واتخذ الجنن لتكون رقابة له من الآفات مكان الشعر والوبر.
وقال الجاحظ: وهم يجعلون كل إنسان وطائر ذا أربع، فجناحا الطائر يداه ويدا الإنسان جناحاه، ولهذا كان كف الطائر في رجله وكف الإنسان في يده، ولما كانت يد الإنسان جناحه صار إذا عدا يحركهما، ومتى قطعتا لم يجد العدو كما، لو قطعت رجلا الطائر لم يجد الطيران، وفي الناس من إذا فقد يديه عمل برجليه كل ما كان يعمل بيديه لو كانتا له، وركب ذوات الأربع في يديها، وركب الإنسان في رجليه، وفي الناس من يعمل بيساره ما يعمل بيمينه، ويسمى أعسر يسر، وبهم من يقصر بيمينه عما يعمل بيساره، ويسمى الأعسر، وإذا كان أعسر مصمتا فليس سوى الخلق.
ومنها أنه ليس في الحيوان ماله ثدي في صورة غير الفيل والإنسان لكن هما في الفيل بين الحالبين، والصدر، وربما حني الرجل على الطفل فدرت له ثدياه وكذلك المرأة العاقر.
ومنها أن سائر الحيوان الناحية العليا منه أنبل من الناحية السفلى خلا الإنسان، فإنه بالعكس إذا كان حدثا، وإذا أسن كان على التساوي وهذه علة اختلاف سيره وحركته، وكذلك رجلاه أكبر من يديه، وليس ذوات الأربع من ذوي البراثن والحوافر، فإن أيديها أكبر من أرجلها.
ومنها أن المرأة إذا غرقت رسبت، فإذا انتفخت طفت منقلبة على وجهها والرجل بخلاف ذلك، وإذا ضربت عنقه لا تتحرك له جثة بخلاف سائر الحيوان إذا ذبح وإذا وقعت جثته في الماء بعد بينونة الرأس عنها لم ترسب، وبقيت قائمة في الماء، ولم تظهر أكان الماء جاريا أو راكدا، فإذا جاف وانتفخ وانقلب وظهر بدنه كله.
ومنها أن كل أخرس أصم حكمة من الله تعالى، ولطفا إذ لو سمع الكلام ولم يجب مات حسرة، وأصحاب الكلام في الطبائع يقولون: إن الخرس طارئ عن الصم، وإنما كان ذلك لأنه حين لم يسمع صوتا قط مؤلفا، أو غير مؤلف لم يعرف كيفيته، فيقصد إليه ويحكيه.
ومنها أن في طبع الإنسان، أنه متى انهزم نزل عن جواده ليحضر ببدنه لأنه يظن أن إحضاره أنجى له، وأنه إذا كان راكبا على ظهر فرسه كان أقرب إلى الهلاك.
ومنها أن في الناس من يحرك فروة رأسه ومنهم من يحرك أذنه من بين أعضائه، وربما حرك إحداهما وترك الأخرى ساكنة، ومنهم من يبكي إذا شاء من غير سبب محدث للبكاء، ومنهم من يبكي بإحدى عينيه، وبالتي يقترحها المنعت له.
1 / 12