مع المشككين في السنة
مع المشككين في السنة
تحقیق کنندہ
فاروق يحيى محمد الحاج
اصناف
مع
المشككين في السنة
تأليف
أ. د/ عبد الرحمن بن إبراهيم بن حسن بن يحيى الخميسي
أستاذ الحديث وعلومه - جامعة صنعاء
اعتنى به وحققه وخرج أحاديثه/
فاروق يحيى محمد الحاج
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢٠ م
1 / 1
مع المشككين في السنة
للأستاذ الدكتور/
عبد الرحمن بن إبراهيم بن حسن بن يحيى الخميسي
أستاذ الحديث وعلومه - جامعة صنعاء
اعتنى به وحققه وخرج أحاديثه/
فاروق يحيى محمد الحاج
الفاروق للمراجعة العلمية والتحقيق
رقم الواتساب (٠٠٩٦٧٧٧٣٠٧٢٨٥٢)
نسخة ثانية
1 / 2
ترجمة مختصرة للمؤلف
أولًا: الاسم والمولد ومحل الإقامة والأولاد:
• الاسم: عبد الرحمن بن إبراهيم بن حسن بن يحيى.
• اللقب: الخميسي؛ نسبة إلى قرية: "الخميسين" التي وُلد فيها والده.
• مولده: وُلد الدكتور عام (١٣٧٩ هـ) الموافق (١٩٥٩ م) في قرية: "الدّيّر" التابعة لمديرية: "حيران" -بالحاء المهملة- في محافظة: "حجة"، إحدى محافظات: "الجمهورية اليمنية".
• محل الإقامة الحالي: يسكن الدكتور حاليًا في: مدينة "صنعاء" عاصمة: "الجمهورية اليمنية".
• الأولاد: للدكتور اثنا عشر ولدًا ذكورًا وإناثًا.
ثانيًا: النشأة العلمية:
نشأ الدكتور في المملكة العربية السعودية، وفيها تلقى تعليمه النظامي ابتداءً من المرحلة الابتدائية وانتهاءً بالدكتوراه، وكانت دراسته كالتالي:
١ - درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية "الأساسي" في مدارس وزارة التربية في "مكة المكرمة".
٢ - ثم التحق بمعهد الحرم المكي -ومقره داخل المسجد الحرام-، وحصل منه على الشهادة الثانوية عام (١٣٩٧ هـ) بتقدير ممتاز.
٣ - درس المرحلة الجامعية البكالوريوس في قسم أصول الدين في كلية الشريعة وأصول الدين في "أبها"، وحصل منها على شهادة البكالوريوس عام (١٤٠١ هـ-١٤٠٢ هـ) بتقدير ممتاز، وكان ترتيبه الأول على دفعته.
٤ - نال شهادة الماجستير في السنة وعلومها من كلية أصول الدين في "الرياض" بتقدير ممتاز. وكانت أطروحته فيها: تحقيق جزء من كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي.
٥ - نال شهادة الدكتوراه في السنة وعلومها من كلية أصول الدين في "الرياض" مع مرتبة الشرف الأولى. وكانت رسالته فيها: "زوائد رواة البيهقي في السنن الكبرى على رواة الكتب العشرة (^١) جمعًا ودراسة، من أول الكتاب إلى آخر باب الترغيب في الأذان من كتاب الصلاة".
_________
(^١) وهي: الكتب العشرة التي ذكرها الحافظ ابن حجر عن كتاب "التذكرة برجال العشرة" لأبي عبد الله محمد بن علي بن حمزة الحسيني الدمشقي، وهي: "الكتب الستة والموطأ ومسند الشافعي ومسند أحمد ومسند أبي حنيفة"، وهو المسند الذي خرجه الحسين بن محمد بن خسرو من حديث الإمام أبي حنيفة. انظر: تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة لابن حجر (١/ ٢٣٥).
1 / 4
ثالثًًا: العلماء الذين درس على أيديهم:
درس الدكتور على يد كوكبة من العلماء المصريين والنجديين والسوريين والموريتانيين ومن القارة الهندية، وهم:
١ - الدكتور أحمد معبد عبد الكريم.
٢ - الدكتور عبد الرحيم الطحان.
٣ - الدكتور محمد أديب الصالح.
٤ - الدكتور محمد علي عثمان.
٥ - الدكتور محمود الحريري.
٦ - الشيخ أحمد الأمين الشنقيطي.
٧ - الشيخ بديع الدين شاه السندي.
٨ - الشيخ عبد العزيز السبيل "وهو أخو إمام الحرم محمد السبيل".
٩ - الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
١٠ - الشيخ عبد القادر السندي.
١١ - الشيخ عبد الله بن حميد "رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية، ومؤسس معهد الحرم المكي".
١٢ - الشيخ محمد الأمين الشنقيطي "وهو غير صاحب أضواء البيان".
١٣ - الشيخ يحيى بن عثمان المكي.
رابعًا: المؤهلات الأكاديمية:
يحمل الدكتور المؤهلات الأكاديمية التالية:
١ - دكتوراه في السنة وعلومها.
٢ - أستاذًا مشاركًا في السنة وعلومها.
٣ - أستاذًا في السنة وعلومها.
خامسًا: الإجازات العلمية:
للدكتور ثبت بإجازات علمية من طريق الشيخ قاسم بحر حفظه الله -وهو أحد علماء تهامة- إلى مجموعة كبيرة من العلماء في داخل اليمن وخارجها.
1 / 5
سادسًا: الوظائف التي يشغلها:
يعمل الدكتور حاليًا:
١ - أستاذًا في "كلية التربية" في: "جامعة صنعاء" في: "الجمهورية اليمنية".
٢ - مشرفًا على بعض الرسائل الجامعية.
سابعًا: الإنتاج العلمي "البحوث والمؤلفات":
للدكتور العديد من المؤلفات، كالتالي:
• أولًا: المؤلفات المطبوعة:
١ - معجم علوم الحديث النبوي. طبع ونشر: دار الأندلس الخضراء، جدة، عام (٢٠٠٠ م).
٢ - مع المشككين في السنة. وهو هذا الكتاب، وهو سلسلة ردود على بعض منكري السنة والطاعنين فيها.
٣ - معاصي النساء "كتيب". طُبع في: صنعاء.
٤ - رياض الصائمين "كتيب حديثي". طُبع في: صنعاء.
٥ - شرح عقيدة السلف في ضوء الكتاب والسنة. طُبع في: صنعاء.
٦ - تهذيب سيرة الخلفاء الراشدين. طُبع في: صنعاء.
٧ - مظاهر الإنصاف عند المحدثين في جرح الرواة "بحث منشور في مجلة علمية مُحكَّمّة خارجية".
٨ - رواة الحديث من أهل ذمار إلى نهاية القرن الثالث الهجري "بحث منشور في مجلة علمية مُحكَّمّة داخلية".
٩ - الإمام ابن الديبع الشيباني وجهوده في الحديث "بحث قُدم لمؤتمر زبيد الذي أقامته كلية الآداب في جامعة الحديدة"، ونشر ضمن منشورات المؤتمر.
١٠ - علم التخريج ودراسة الأسانيد "بحث قُدم للنشر في مجلة علمية محلية، وتم قبوله".
١١ - هدي النبي ﷺ اليومي "بحث قُدم للنشر في مجلة علمية محكمة محلية، وتم قبوله ونشره".
١٢ - إجلال النبي ﷺ بين الحق والخلق "بحث علمي قُدم للنشر في مجلة علمية مُحكَّمّة خارجية، وتم قبوله ونشره".
١٣ - دفاع عن الصحيحين "طُبع قديمًا مستقلًا". وهو الفصل الثالث من هذا الكتاب، والذي هو بعنوان: "دحض مطاعن الأغبياء في سنة سيد الأنبياء".
١٤ - المرأة في ظل الإسلام "نُشر في مجلة محلية".
1 / 6
١٥ - رحلة الحج إلى بيت الله الحرام "كتيب".
١٦ - تسامح النبي ﷺ مع اليهود والنصارى.
• ثانيًا: المؤلفات المخطوطة "غير المطبوعة":
١ - كتاب الردة وأثرها على الفرد والمجتمع "مخطوط". كتاب تحت الطبع.
٢ - كتاب الكبائر "مخطوط".
٣ - المحرمات في الكتاب والسنة "مخطوط". وهو كتاب مرتب على الأبواب الفقهية ومجرد من الأدلة، وهو كالمتن، وقد حاول المؤلف استيعاب المحرمات فيه قدر الاستطاعة.
٤ - الصحابة في القرآن الكريم "مخطوط".
٥ - الثوابت وحكم الانتقاص منها "كتيب" "مخطوط".
٦ - طبقات علماء أهل الظاهر "مخطوط".
• ثالثًا: مؤلفات الدكتور المنشورة على صفحته في الفيس بوك، ولم تطبع بعد:
١ - رحلة الذكريات. وهو سيرة ذاتية.
٢ - الأربعون في المبشرات النبوية للأمة المحمدية "كتيب حديثي".
٣ - الأربعون السلطانية "كتيب حديثي".
٤ - الأربعون في حقوق الخلق "كتيب حديثي".
٥ - الأربعون في الإخوة الإسلامية "كتيب حديثي".
٦ - مفاتيح الدعوة إلى الله تعالى "كتيب".
٧ - إلى الدعاة ما لهم وما عليهم "كتيب".
٨ - الرقية الشرعية حجيتها وضوابطها وصورها "كتيب".
٩ - أخبار الشحاتة والشحاتين "كتيب".
١٠ - ضوابط الحرية في الإسلام "كتيب".
١١ - حقيقة الإرهاب وصوره "كتيب".
١٢ - الإسلام والاختلاط "كتيب".
١٣ - منزلة الشريعة في الإسلام "كتيب".
١٤ - محبوبات النبي ﷺ "كتيب".
١٥ - مصطلحات غير شرعية "كتيب".
١٦ - ما استثناه الشرع من المحرمات "كتيب".
1 / 7
١٧ - آداب المسلم "كتاب". ويشتمل على ثلاثين أدبًا.
١٨ - المعارضة السياسية في الإسلام "كتيب".
١٩ - كتاب الجامع. وهو سلسلة منشورات متنوعة في مجالات كثيرة، ولعله يبلغ أكثر من مجلد.
• رابعًا: المشاركات العلمية للدكتور في مواقع التواصل الاجتماعي غير الفيس بوك التي يمكن جمعها في مؤلفات مستقلة:
١ - فتاوى الدكتور عبد الرحمن الخميسي. وهي الفتاوى التي سئل عنها عبر قناته في التليجرام. وقد بلغت إلى الآن أكثر من (٢٤٠٠ فتوى)، ولعلها تكون في مجلدين أو أكثر.
٢ - تعبير الأحلام. وهي التعبيرات للرؤى المنامية التي سئل عنها الأستاذ الدكتور في قناته في التليجرام، وقد بلغت إلى الآن أكثر من (١١٣٠ تعبيرًا)، ولعلها تكون في مجلد ضخم (^١).
_________
(^١) هذه الترجمة كتبها في الأصل الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم الخميسي حفظه الله بخط يده في (٢٤/ ١٢/١٤٤١ هـ) الموافق (١٤/ ٨/٢٠٢٠ م) - صنعاء: الجمهورية اليمنية. ولم يكن لي من جهد فيها سوى التنسيق. المحقق.
1 / 8
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم هي المصدر الموازي للتشريع مع القرآن الكريم، بل قد استقلت عنه بتشريعات كثيرة لم ترد فيه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
ولذلك فقد حفظها الله تعالى في الجملة بأن سخر لها رجالًا ينفون عنها تحريف الغالين وكذب الوضاعين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يحفظونها في صدورهم ومسطورهم، ويميزون صحيحها من سقيمها، وسليمها من معلولها، فوصلت إلينا ناصعة جلية، ومكتوبة بينة.
ولم يشكك فيها أحد ممن سبق إلا الزنادقة والرافضة (^١)، فتصدى لهم العلماء الجهابذة قديمًا وحديثًا، وبينوا زيف ادعاءاتهم وتهافت شبهاتهم.
هذا ويجب العمل بالسنة سواءً كانت قولية أو عملية عند العلماء جميعًا -غير من ذكرنا (^٢) - بغير استثناء، ولا تفريق بين قولية وعملية منها؛ لأن الجميع مصدره واحد.
ومن يفرق بين السنة القولية والسنة العملية أو يثير حولها الشبهات ويدعي تعارضها مع القرآن أقول له ولأمثاله: «إن في قلوبكم وعقولكم وأفهامكم مرضًا».
إذ لم يزل المسلمون منذ القرن الأول وإلى اليوم يعملون بالسنة القولية والعملية والقرآن معًا، ولم يجدوا بينهم تناقضًا ولا تعارضًا، وكانوا مع ذلك سادة الدنيا والدين، هزموا الكفار والملاحدة، والقرامطة والباطنية، والخوارج وسائر الفرق الضالة بالسنان والبرهان، وردوا على أهل الكلام والفلاسفة ومن على شاكلتهم، وهزموهم كذلك، ودحضوا حججهم.
وبقي الإسلام والمسلمون وعلماء الحديث وسائر أهل العلم تقرأ بينهم كتب الحديث وتتداول، وكانت محل إجلال وعمل، حتى جاء هذا العصر وظهرت العلمانية وانبعثت الباطنية من جديد؛ لتفصم بين المسلمين ودينهم، وتشكك في أخلاقهم وعقيدتهم.
_________
(^١) قال الإمام السيوطي: «الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن». مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي (ص:٦).
(^٢) أي: الزنادقة والرافضة الذين سبق ذكرهم.
1 / 9
سؤال لكل من يشكك في السنة النبوية:
السؤال الذي يطرح نفسه على أي مشكك في السنة النبوية: هل ما تطرحه أنت شبهات أم حقائق؟
فإن كانت شبهات فاعلم أن الشبهة هي في رأسك فقط (^١)، ولها حل إذا كنت تريد الحق، وإن كانت حقائق كما تزعم فيلزم من ذلك أن المسلمين كانوا جميعًا منذ القرن الأول على ضلال وباطل، وأنت فقط على الحق.؟ وهذا من أمحل المحال وأبطل الباطل، مما يدل بل ويبطل جميع شبهاتك وضلالاتك وإفكك.
_________
(^١) ومما ينبغي أن يُعلم هنا: أن الشبه لا ترد على دين الله ﷿ قرآنا وسنة- أصلًا وإن ادعى المشككون ذلك.
ويدل على ذلك: حديث العرباض بن سارية ﵁ قال: (وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ). مسند أحمد (٢٨/ ٣٦٧)، رقم (١٧١٤٢)، وسنن ابن ماجة، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (١/ ١٦)، رقم (٤٣). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (١/ ٣٣)، رقم (٤١).
قال الإمام السندي: «قوله: (عَلَى الْبَيْضَاءِ) أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلًا، فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها، وإليه الإشارة بقوله: (لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا)». حاشية السندي على سنن ابن ماجة (١/ ٢٠). فصار (لَيْلُهَا) أي: حال إيراد الشُّبه عليها (كَنَهَارِهَا) أي: كحال كشفِ الشبه عنها ودفعها عنها، فلا ينقص وضوحُها بإيراد الشبه عليها. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى لمحمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العَلوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُوَيطي (١/ ١٦٥).
وقال ابن الأمير الصنعاني: «(لَيْلُهَا) في إشراقه (كَنَهَارِهَا)، المراد: أنه لا لبس فيها ولا ريب، بل قد اتضحت إيضاح النهار. ومنه يُعلم أنه لا لبس في دين الله، ولا يحتاج إلى تكلفات المتكلمين وشطحات المتهوكين». التنوير شرح الجامع الصغير لابن الأمير الصنعاني (٨/ ٤٩).
وقوله ﷺ: (لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ)، أي: لا يضل ولا يميل عن تلك الملة البيضاء إلى غيرها بعد وفاتي إلا من سبق عليه الهلاك الأبدي في علمه تعالى والحرمان عنها وحُكِم عليه به. أتى من قبل نفسه. انظر: التنوير شرح الجامع الصغير لابن الأمير الصنعاني (٨/ ٤٩)، ومرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجة والقول المكتفى على سنن المصطفى لمحمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العلوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُويطي (١/ ١٦٥).
والمعنى: لا يميل ولا يخرج عن الملة ويعمل بخلافها متعمدًا إلا الهالك الذي مأواه جهنم وبئس المصير. مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه لمحمد بن علي بن آدم بن موسى (١/ ٥٤٦).
1 / 10
ودليل آخر: هل هذا الذي تقوله قاله المتقدمون قبلك أم لا؟
فإن كانوا قد قالوا به فأين مصدره إن كنت صادقًا؟ وإن لم يقولوا به فهذا يدل على أن ما تقوله مجرد شبهات ضالة، طرأت عليك أنت فقط؛ لمرض في قلبك وفساد في عقلك وعقيدتك، فاذهب وأصلح قلبك وعقيدتك، وإلا فالمصير لك محتوم، والعاقبة بالسوء معلومة (^١).
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣)﴾ [الرعد:٣٣، والزمر:٢٣، والزمر:٣٦، وغافر:٣٣].
_________
(^١) قال الآجري: «فكل من رد سنن رسول الله ﷺ وسنن أصحابه فهو ممن شاقق الرسول وعصاه، وعصى الله تعالى بتركه قبول السنن، ولو عقل هذا الملحد وأنصف من نفسه علم أن أحكام الله ﷿ وجميع ما تعبد به خلقه إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، وقد أمر الله ﷿ نبيه ﵇ أن يبين لخلقه ما أنزله عليه مما تعبدهم به، فقال جل ذكره: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)﴾ [النحل:٤٤]. وقد بين ﷺ لأمته جميع ما فرض الله ﷿ عليهم من جميع الأحكام، وبين لهم أمر الدنيا وأمر الآخرة وجميع ما ينبغي أن يؤمنوا به، ولم يدعهم جهلة لا يعلمون، حتى أعلمهم أمر الموت والقبر وما يلقى المؤمن وما يلقى الكافر وأمر المحشر والوقوف وأمر الجنة والنار حالًا بعد حال، يعرفه أهل الحق». المصدر السابق (٣/ ١٢٠٥ - ١٢٠٦).
1 / 11
سبب تأليف الكتاب
نشر شخص يدعي بأنه مستشار ومحام وباحث إسلامي (^١) ترهات وأكاذيب وشبهات حول السنة في منشور له طويل باسم: "صور من الضياع الفقهي للفقهاء" (^٢). كشف فيه عن جهله المركب بالقرآن والسنة، وعن حقده الدفين على علماء الحديث، وخاصةً الإمام البخاري، وعن سوء معتقده وانحرافه الفكري.
ومحصلة منشوره هو ما يلي:
إنكار السنة القولية بدعوى:
١ - تعارضها مع القرآن الكريم.
٢ - اتهام المحدثين باختلاقها.
وقد صح عندي العزم على الرد على هذا المنشور باختصار وإيجاز؛ كونه قد انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وتسبب في بعض التساؤلات عند البعض وربما الحيرة، مما يحتم القيام بهذا الواجب الكفائي، والحمد لله الذي شرح صدري لذلك بعد أن كنت أرفض الردود على الشبهات؛ لعدم جدواها عند مثيريها، لكنها مفيدة جدًا لغيرهم. فاستعنت بالله تعالى في الرد عليه من أجل:
أولًا: الدفاع عن الحق وعن السنة المطهرة ورواتها.
ثانيًا: إزالة ما ترسخ من شبهات في عقول بعض طلاب العلم.
ثالثًا: بيان جهل هذا المفتري الأفاك بالقرآن والسنة، وأنه لا صلة له بالعلم لا من قريب ولا من بعيد.
وكنت في أول الأمر قد نشرت هذه الردود في سلسلة منشورات على صفحتي في الفيس بوك، وقد بلغ عدد هذه المنشورات -بما فيها المقدمة والخاتمة- (٥٦) منشورًا.
ثم لما اطّلع أحد الإخوة (^٣) على هذه المنشورات قام بجمعها وترتيبها في كتاب جزاه الله خيرًا؛ من أجل أن تعم به الفائدة، مما استدعى مني إعادة النظر فيها، وتعديل أو إضافة ما رأيته صالحًا لذلك، وأصلحت فيه ما يلزم؛ حتى خرج على هذا النحو.
وحتى تتم الفائدة من الكتاب رأيت أن أضيف إليه:
١ - بحث كنت نشرته قديمًا في إحدى المجلات العلمية، وهو بعنوان: "خصائص السنة المطهرة".
٢ - بعض الردود التي لديَّ على بعض الشبه التي يثيرها منكرو السنة، وكنت قد كتبتها -أيضًا- قديمًا، ونُشر بعضها في إحدى الجرائد المحلية وبعضها لم يكن قد نُشر بعد، وهي بعنوان: "دحض مطاعن الأغبياء في سنة سيد الأنبياء"، رددت فيها على "رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء" لعدنان الجُنيد.
ولذلك جاء الكتاب في ثلاثة فصول، كالتالي:
الفصل الأول: خصائص السنة المطهرة. وهو كالتمهيد للكتاب.
الفصل الثاني: الرد على شبهات منشور: "صور من الضياع الفقهي للفقهاء".
الفصل الثالث: دحض مطاعن الأغبياء في سنة سيد الأنبياء.
والله تعالى أسأل أن يرزقني الإخلاص والسداد في القول والعمل، وأن يتقبله مني؛ وهو سبحانه الهادي والموفق والمجيب.
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)﴾ [هود:٨٨].
_________
(^١) هو: المستشار/ أحمد عبده ماهر. وهو مصري، وقد عرف نفسه في بداية منشوره بأنه: "كاتب"، وقال في نهاية المنشور بأنه: "محام بالنقض وباحث إسلامي". وهو مصري.
(^٢) وهو منشور في صفحته في الفيس بوك، وقد ملأه برد السنة النبوية وتكذيبها، بل وتضمن ردًا لبعض الآيات القرآنية -مع ادعائه باتباعه للقرآن فقط- التي تتوافق مع ما رده من السنه، حسب زعمه والتهجم على العلماء والمحدثين والفقهاء. والله المستعان.
(^٣) وهو: محقق الكتاب والمعتني به، الأخ/ فاروق يحيى محمد الحاج.
1 / 12
الفصل الأول
خصائص السنة المطهرة
ويشتمل على:
مقدمة.
أولًا: الخصائص المشتركة بين السنة والقرآن.
ثانيًا: خصائص السنة التي انفردت بها.
1 / 13
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للثقلين، سيد الأولين والآخرين وإمام الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإننا متعبدون بالسنة المطهرة المنقولة عن نبينا ﷺ قولًا وفعلًا وتقريرًا كما أننا متعبدون بالقرآن؛ وذلك لأنها وحي أوحاه الله إلى رسوله ﷺ، وتنزل بها جبريل كما تنزل بالقرآن، إلا أن الفرق بينهما أن القرآن الكريم معجزة باقية حتى تقوم الساعة، محفوظ من التغيير والتبديل، متواتر اللفظ في جميع كلماته وحروفه، ونزل بوحي جلي، بخلاف السنة، فإن معناها من الله وأحيانًا من النبي ﷺ، ولفظها من النبي ﷺ، وقد تكون بوحي وبغير وحي.
والقرآن الكريم متعبد بتلاوته، ويتعين قراءته في الصلاة، وتحرم روايته بالمعنى، بخلاف السنة.
وللسنة خصائص أخرى شاركت فيها القرآن، وخصائص انفردت بها عن سائر العلوم.
ولأهمية هذا الموضوع فقد أفردته بالبحث هنا تحت مسمى: "خصائص السنة المطهرة".
وقسمته كالتالي:
أولًا: الخصائص المشتركة بين السنة والقرآن، وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: كون السنة وحيًا من الله تعالى.
المبحث الثاني: تسمية السنة بـ"الكتاب".
المبحث الثالث: نقل السنة بالإسناد المتصل.
المبحث الرابع: وجوب العمل بالسنة.
المبحث الخامس: كون منكر السنة كافرًا.
المبحث السادس: حفظ السنة في الجملة.
المبحث السابع: خطر التهاون بالسنة.
ثانيًا: خصائص السنة التي انفردت بها، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: انفراد السنة بالتشريع.
المبحث الثاني: انفراد السنة ببيان القرآن الكريم.
المبحث الثالث: قواعد وشروط قبول السنة.
المبحث الرابع: تسمية السنة بـ"الحكمة".
1 / 14
المبحث الخامس: كثرة الصلاة على النبي ﷺ من المشتغل بالسنة.
المبحث السادس: دعاء النبي ﷺ لمن يتعلم السنة بالنضارة.
وقد جاء القسم الأول أطول من الثاني؛ وذلك بسبب غزارة مادته العلمية، ولو أراد الباحث أن يطيل النفس فيه لجاء بأضعاف ما كُتب، بخلاف القسم الثاني، فالمادة العلمية الموجودة فيه قليلة جدًا. ولكون هذا مما قد لا ينتبه له القارئ الفطن فقد لزم التنبيه عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 15
أولًا
الخصائص المشتركة بين السنة والقرآن
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: كون السنة وحيًا من الله تعالى.
المبحث الثاني: تسمية السنة بـ"الكتاب".
المبحث الثالث: نقل السنة بالإسناد المتصل.
المبحث الرابع: وجوب العمل بالسنة.
المبحث الخامس: كون منكر السنة كافرًا.
المبحث السادس: حفظ السنة في الجملة.
المبحث السابع: خطر التهاون بالسنة.
1 / 16
المبحث الأول
كون السنة وحيًا من الله تعالى
السنة وحي أوحاه الله تعالى إلى رسوله ﷺ، وتنزل بها الأمين جبريل ﵇ كما تنزل بالقرآن الكريم، غير أنه تنزل بالقرآن الكريم بلفظه ومعناه من الله تعالى، وأما السنة فتنزل بمعناها، وأما لفظها فمن النبي ﷺ، وقد دل على هذا قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم:٣ - ٤].
قال الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي في تفسيره في معنى هذه الآية: «أي: ما يقول قولًا عن هوى وغرض، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٤]، أي: إنما يقول ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملًا موفورًا من غير زيادة ولا نقصان» (^١)، ثم أورد بعض الأحاديث التي تدل على أن ما يقوله أو يفعله حق، وليس عن هوى أو غرض (^٢).
وقال الإمام محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: «وفيها أيضًا دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل» (^٣).
وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني: «أي: ما يصدر نطقه عن الهوى، لا بالقرآن ولا بغيره، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٤]، أي: ما هو الذي ينطق به إلا وحي من الله يوحيه إليه» (^٤).
فهذه أقوال بعض أئمة التفسير تدل على: أن السنة من الوحي المنزل.
وجزم بذلك بعض أئمة التابعين، وهو حسان بن عطية المحاربي الدمشقي، فقال: «كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، يُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ» (^٥).
_________
(^١) تفسير القرآن العظيم لإسماعيل بن كثير الدمشقي "المشهور بـ: تفسير ابن كثير" (٧/ ٤٤٣).
(^٢) نفس المصدر السابق.
(^٣) الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أحمد القرطبي "المشهور بـ: تفسير القرطبي" (١٧/ ٨٥).
(^٤) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني "المشهور
بـ: تفسير الشوكاني" (٥/ ١٢٦).
(^٥) سنن الدارمي، المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله (١/ ٤٧٤)، رقم (٦٠٨)، والسنة لمحمد بن نصر المروزي (ص:٣٣)، رقم (١٠٢)، والإبانة الكبرى لابن بطة، باب ذكر ما جاءت به السنة من طاعة رسول الله ﷺ والتحذير من طوائف يعارضون سنن رسول الله ﷺ بالقرآن (١/ ٢٥٥)، رقم (٩٠)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائي، سياق ما روي عن النبي ﷺ في الحث على التمسك بالكتاب والسنة وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم والخالفين لهم من علماء الأمة ﵃ أجمعين (١/ ٩٣)، رقم (٩٩)، والمدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي، باب حجة من ذهب إلى أنه لم يسن إلا بأمر الله (١/ ٨٣)، رقم (١٦٢)، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله ﷺ في وجوب العمل ولزوم التكليف (ص:١٢). وقال ابن حجر عن سنده: «صحيح». فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٢٩١). وقال الألباني: «رواه الدارمي بسند صحيح عن حسان بن عطية، فهو مرسل». تحقيق كتاب الإيمان لابن تيمية للألباني (ص:٣٧).
وفي رواية: «كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ ﵇ بِالسُّنَّةِ الَّتِي تُفَسِّرُ ذَلِكَ». جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر معلقًا -عن الأوزاعي عن حسان بن عطية-، باب موضع السنة من الكتاب وبيانها له (٢/ ١١٩٣)، رقم (٢٣٥٠).
1 / 17
وبنحو هذا قال قتادة بن دعامة السدوسي، فقد روى عنه ابن جرير الطبري في معنى الآية السابقة أنه قال: «قوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم:٣]: «أَيْ: مَا يَنْطِقُ عَنْ هَوَاهُ»، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٤]، قال: «يُوحِي اللَّهُ ﵎ إِلَى جَبْرَائِيلَ، وَيُوحِي جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» (^١)» (^٢).
ورأى بعض أئمة التفسير أن المقصود بالوحي في الآية هو: "القرآن خاصة". وممن قال بهذا:
١ - إمام أهل التفسير في عصره محمد بن جرير الطبري، حيث قال: «يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم:٤]، يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه» (^٣).
٢ - أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي، حيث قال: «وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾ [النجم:٣] يريد: محمدًا ﷺ أنه ليس يتكلم عن هواه، أي: بهواه وشهوته.
وقال بعض العلماء: المعنى: وما ينطق القرآن المنزل عن هوى وشهوة. ونسب النطق إليه من حيث تفهم عنه الأمور، كما قال: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ﴾ [الجاثية:٢٩] (^٤). وأسند الفعل إلى القرآن الكريم ولم يتقدم له ذكر؛ لدلالة المعنى عليه.
_________
(^١) ذكر السيوطي: أنه أخرجه عنه: عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر. الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٧/ ٦٤٢).
(^٢) جامع البيان عن تأويل آي القرآن لمحمد بن جرير الطبري "المشهور بـ: تفسير ابن جرير، وبـ: تفسير الطبري" (٢٢/ ٤٩٨).
(^٣) المصدر السابق (٢٢/ ٤٩٧ - ٤٩٨).
(^٤) وتمام المعنى في الآية: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الجاثية:٢٩].
1 / 18
وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم:٤] يراد به: القرآن بإجماع» (^١).
وما ذهب إليه هؤلاء الأئمة من أن المراد بالوحي في الآية هو "القرآن" لا شك ولا خلاف فيه، غير أنه لا يمتنع أن يراد به مطلق الوحي على النبي ﷺ، فيشمل: القرآن، والسنة. وهذا المراد هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل تأويلًا غيره. وقد جاء تفسير هذا المراد عن النبي ﷺ نفسه في أحاديث كثيرة، وقد بينت هذه الأحاديث أن ما يقوله ﷺ هو حق تلقاه من الله تعالى. ومن هذه الأحاديث:
١ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: (كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) (^٢).
وفي رواية عند الإمام أحمد: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ أَفَأَكْتُبُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا حَقًّا) (^٣).
٢ - عن أبي هريرة ﵁ قال: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَاّ حَقًّا) (^٤).
٣ - عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا) (^٥).
_________
(^١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبد الحق ابن عطية الأندلسي "المشهور
بـ: تفسير ابن عطية" (٥/ ١٩٦).
(^٢) مسند أحمد (١١/ ٥٧ - ٥٨)، رقم (٦٥١٠)، و(١١/ ٤٠٦)، رقم (٦٨٠٢)، وسنن أبي داود، كتاب العلم، باب في كتاب العلم (٣/ ٣١٨)، رقم (٣٦٤٦). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن أبي داود للألباني (٢/ ٤٠٨)، رقم (٣٦٤٦).
(^٣) مسند أحمد (١١/ ٥٩٣)، رقم (٧٠٢٠). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-: «صحيح لغيره». مسند أحمد (١١/ ٥٩٣)، حاشية رقم (١).
وفي رواية عند أحمد أيضًا: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكْتُبُ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فِي الرِّضَا وَالسُّخْطِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُولَ فِي ذَلِكَ إِلَّا حَقًّا). مسند أحمد (١١/ ٥٢٣ - ٥٢٤)، رقم (٦٩٣٠). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-: «صحيح لغيره». مسند أحمد (١١/ ٥٢٤)، حاشية رقم (٢).
(^٤) مسند أحمد (١٤/ ١٨٥)، رقم (٨٤٨١)، و(١٤/ ٣٣٩)، رقم (٨٧٢٣)، والأدب المفرد للبخاري، باب المزاح (ص:١٠٢)، رقم (٢٦٥)، وسنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في المزاح (٤/ ٣٥٧)، رقم (١٩٩٠). وقال الترمذي: «حديث حسن». وقال الألباني: «صحيح». صحيح الأدب المفرد للألباني (ص:١١٦)، رقم (٢٦٥).
(^٥) المعجم الأوسط للطبراني (١/ ٢٩٨)، رقم (٩٩٥)، والمعجم الصغير له (٢/ ٥٩)، رقم (٧٧٩). وقال الهيثمي: «إسناده حسن». مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (٨/ ٨٩)، رقم (١٣١٠٦). وقال الألباني: «صحيح». صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (١/ ٤٨٩)، رقم (٢٤٩٤).
1 / 19
٤ - عن أنس بن مالك ﵁ عن النبي ﷺ قال: (إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا) (^١).
٥ - عن أبي أمامة ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثْلُ الْحَيَّيْنِ -أَوْ: مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ- رَبِيعَةَ وَمُضَرَ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَ مَا رَبِيعَةُ مِنْ مُضَرَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ) (^٢).
ومعنى قوله: (إِنَّمَا أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ) أي: إنما أتكلم بما علمني الله وأنطقني، وليس هو من عند نفسي ولا باجتهاد مني. قال الإمام المبارك بن محمد الجزري المعروف بـ"ابن الأثير" في معنى قول سعيد بن المسيب لما سئل: «ما تقول في عثمان وعلي؟ فقال: أقول ما قوّلني الله» (^٣). قال ابن الأثير: «يقال: قوَّلتني وأقولتني، أي: علمتني ما أقول وأنطقتني وحملتني على القول» (^٤).
٦ - عن المقدام بن معدي كرب ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ) (^٥).
_________
(^١) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (٤/ ٦٠٠)، رقم (١١٦٧)، ترجمة: محمد بن يزيد بن سعيد النهرواني، رقم الترجمة (١٧٦٣). وقال الألباني: «صحيح». صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (١/ ٤٨٩)، رقم (٢٤٩٤).
(^٢) مسند أحمد (٣٦/ ٥٤٧)، رقم (٢٢٢١٥). وقال الألباني: «صحيح». صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (٢/ ٩٤٦)، رقم (٥٣٦٣).
(^٣) في الطبقات الكبرى لابن سعد: «عن أبي بكر بن عبد الله قال: كان سعيد بن المسيب إذا سئل عن هؤلاء القوم قال: أقول فيهم ما قولني ربي: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا﴾ [الحشر:١٠]، حتى يتم الآية». الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/ ٩٨)، ترجمة: سعيد بن المسيب، رقم الترجمة (٦٨٣).
وأما اللفظ المذكور فقد ذكره في: تهذيب اللغة للأزهري، "مادة: قول" (٩/ ٢٣١)، والغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (٥/ ١٥٩٤)، والفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري (٣/ ٢٣٥).
(^٤) النهاية في غريب الحديث والأثر للمبارك بن محمد ابن الأثير الجزري (٤/ ١٢٣).
(^٥) مسند أحمد (٢٨/ ٤١٠ - ٤١١)، رقم (١٧١٧٤)، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة (٤/ ٢٠٠)، رقم (٤٦٠٤). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن أبي داود للألباني (٣/ ١١٧ - ١١٨)، رقم (٤٦٠٤).
1 / 20
ومعنى قوله: (أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) كما قال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي: «يحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما: أن يكون معناه: أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
ويحتمل: أن يكون معناه: أنه أوتي الكتاب وحيًا يتلى وأوتي من البيان، أي: أذن له أن يبين ما في الكتاب، فيعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن» (^١).
٧ - عن المقدام بن معدي كرب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ. وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ) (^٢).
_________
(^١) معالم السنن للخطابي (٤/ ٢٩٨).
(^٢) سنن الترمذي، أبواب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي ﷺ (٥/ ٣٨)، رقم (٢٦٦٤). وقال: «حديث حسن غريب من هذا الوجه». وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن الترمذي للألباني (٣/ ٦٤)، رقم (٢٦٦٤).
وفي سنن ابن ماجة: «عن المقدام بن معد يكرب الكندي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ ﷿، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ. أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ). سنن ابن ماجة، المقدمة "وهي بعنوان: افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم"، باب تعظيم حديث رسول الله ﷺ والتغليظ على من عارضه (١/ ٦)، رقم الحديث (١٢). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (١/ ٢١)، رقم (١٢).
1 / 21