ونلاحظ أن السيادة كانت للعنصر العربي، كما كانت له السيطرة العسكرية، أما العباد فهم الذين كانوا يزاولون شئون الحياة العامة. ذلك كان تقسيم السكان منذ القرن الثالث الميلادي، وقد كونوا وحدة سامية، وكونوا دولة المناذرة التي كان لها أثر كبير في الحضارة العربية، والتي كان أهلها يجوبون أجزاء الجزيرة العربية يحملون المتاجر، وأصبحوا ركنا هاما في نشر العلوم بتعليمهم القراءة والكتابة كما ساعدوا على نشر النصرانية في بلاد العرب على أثر اعتناق ملوكهم لها، وظلوا كذلك حتى اكتسح الإسلام بلادهم سنة 632م، وتاريخ ملوك هذه الدولة أوضح في مجموعه من تاريخ الغساسنة، وما ذكره مؤرخو العرب عنهم يتناسق مع ما ورد في التواريخ الفارسية، على عكس ما ذكروه عن ملوك غسان، ولعل ذلك يرجع إلى أن ملوك الحيرة كانوا يدونون أخبارهم، ويودعونها في البيع والأديرة، التي كانت منتشرة في منطقتهم، وقد ذكر المؤرخون أسماء أكثر من خمسة وعشرين ملكا، تعاقبوا الحكم على الحيرة يكون الأربعة أو الخمسة الملوك الأول منهم التاريخ الميثولوجي للحيرة، وسنلخص أخبار هذا الدور الميثولوجي أولا، ثم بعد ذلك نكتفي بالكلام عن أشهر ملوك الحيرة الحقيقيين. (3) الدور الميثولوجي (1)
مالك بن فهم الأزدي: هو أول من حكم الحيرة في نظر مؤرخي العرب، حكم عشرين سنة، ثم مات على أثر سهم رماه به سليمة، وهو ابنه في رواية، وأحد خواصه الذين رباهم في رواية أخرى. فقال في ذلك شعرا جرى مجرى الأمثال:
جزاني لا جزاه الله خيرا
سليمة إنه شرا جزاني
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني (2)
عمرو بن فهم: تولى بعد أخيه ولم يذكر عنه شيء ذو بال. (3)
جذيمة الأبرش أو الأبرص أو الوضاح: هو ابن عم عمرو بن فهم، وقيل ابن أخته، قالوا: إنه كان متكبرا وكان لا ينادم أحدا في الشراب اكتفاء بمنادمة الفرقدين وهما نجمان، وكان له غلام يسمى عدي بن نصر، أخذه من أياد التي سرقت صنميه المسميين الضيزنين، وردتهما بعد تهديده مع عدي، هذا وكان عدي له جمال وظرف فوقعت في هواه رقاش أخت جذيمة، وحملته على أن يطلب زواجه منها إذا سكر جذيمة، ونجحت حيلة رقاش وتزوجت من عدي، وفي الصباح عرف جذيمة الأمر فاستنكره، فبعث إلى أخته، وكان شاعرا بالأبيات الآتية:
نامعلوم صفحہ