أما المدينة وتعرف أيضا بطيبة، وكانت تعرف قبل هجرة النبي إليها باسم يثرب «ولعل هناك صلة تربط ما بينها وبين مدينة إتريبس المصرية القديمة» فهي تلي في الأهمية مكة، وتبلغ في المساحة نحو نصفها، وهي بيضية الشكل، تحيط بها أسوار بها ثلاثة أبواب، وتقع بين حرتين من حرات جبل السراة، ويصل الماء إليها من قباء التي تقع على بعد ثلاثة أرباع الميل إلى الجنوب منها، وفي فصل المطر تنهمر السيول من الجبال المجاورة إليها ومن أجل ذلك كانت المنطقة المحيطة بها أكثر خصبا من مكة وإلى الشمال منها يقع جبل أحد المشهور. (4-3) تهامة ونجد والعروض (أ)
أما تهامة فإنها سميت تهامة من التهم، وهو شدة الحر وركود الريح، ويقال لها الغور أيضا لانخفاض أرضها، وهي تطلق على الأرض الممتدة من غرب جبال السراة إلى ساحل البحر الأحمر، وفيها كان يجري طريق القوافل الغربي الذي يمتد متاخما لساحل البحر الأحمر، ومعظم مدنها في الوقت الحاضر ثغور، أهمها جدة التي بناها عثمان بن عفان وهي فرضة مكة، وينبع وهي فرضة المدينة. (ب)
أما نجد فسميت نجدا لارتفاع أرضها، وهي تشمل المنطقة التي تلي الحجاز من الشرق وتمتد إلى الخليج الفارسي، وحدودها ليست معروفة تماما في كتب العرب الجغرافية لكثرة الأقوال وتعدد الآراء وهي ليست قاحلة تماما كما يتصورها معظم الناس، وهي تشتهر بمراعيها الجيدة التي تربى عليها أجود الخيول التي تشتهر بها بلاد العرب. (ج )
أما العروض وتعرف باليمامة، فسميت عروضا لأنها تعترض ما بين نجد واليمن، وسميت يمامة نسبة إلى اليمامة وهي أشهر بلد فيها، وكانت تسمى أيضا جو وهو الاسم القديم لليمامة، وينتظم هذا القسم عدا اليمامة بلاد البحرين، ويقال لبلاد البحرين أيضا هجر، ويطلق على الجزء الشمالي منها اسم الأحساء، ذكر الأستاذ «هل» الألماني في كتابه حضارة العرب أن بلاد نجد واليمامة كانتا تسدان حاجة العرب من القمح، كما كانتا في القرنين السادس والسابع لا تقلان عن أراضي أوروبا المنزرعة اليوم، بل ربما كانتا تبزانها خصبا في كثير من البقاع.
هذه هي أقسام بلاد العرب في نظر جغرافييهم، وإتماما للفائدة نعرض في الفقرة التالية لبعض التفصيلات الطبوغرافية الهامة التي قد يصادفها كثيرا الباحث في تاريخ العرب. «والطبوغرافية هي فن وصف الأماكن.» (5) بعض تفصيلات طبوغرافية (5-1) بادية الشام
وهي تشمل المنطقة المثلثة الشكل الواقعة فيما يلي خط 30
من شمال شبه الجزيرة، وهي تتبع من الناحية السياسية شرق الأردن وسوريا والعراق وإن كانت من الناحية الطبيعية تعتبر جزءا من بلاد العرب، وتعرف هذه الصحراء أيضا باسم بادية السماوة، وهي في ناحيتها الغربية صحراء بها حجارة صوانية سوداء تفصل منحدرات مؤاب وإيدوم عن منخفض وادي سرحان الذي يمتد إلى الجنوب الشرقي، والذي تكثر به بحيرات الملح كما يكثر به النخيل الذي يستغله سكان المنطقة المجاورة، وفي طرف هذا الوادي تقع مدينة الجوف الغنية بنخيلها، وهي تقع في الموضع الأصلي لدومة الجندل. (5-2) النفود الشمالية
وتقع إلى الجنوب من الجوف صحراء النفود الكبرى، ويبلغ طولها من الغرب إلى الشرق نحو 400 ميل ومتوسط عرضها نحو 200 ميل، وهي في الغالب عديمة الماء، وفي الأشتاء الممطرة تكثر بها المراعي فإذا جاء الربيع انتجعها البدو بإبلهم، وتكثر في صحراء النفود الكثبان المرتفعة ذات الرمل الدقيق التي تتحرك مع الريح، وأشهرها الكثبان التي توجد في منطقة الفلج . (5-3) الدهناء
وتختلف عن النفود في أن متوسط عرضها 30 ميلا، وأن طولها يبلغ من الشمال إلى الجنوب 400 ميل، وتكثر بها التلال الرملية التي يبلغ ارتفاع الواحد منها 200 أو 300 قدم، ورمل هذه التلال أحمر وليس فيه أي أثر للنبات، ولا ترى هذه التلال في جنوب الدهناء، وإذا سقطت الأمطار ظهرت المراعي، وعند ذلك يؤمها البدو كحالهم في النفود، وتخترق الدهناء من الشمال في 13 ساعة على الإبل وفي ست ساعات من جهة الأحساء، وذكر مؤلف جزيرة العرب في القرن العشرين أنه قطعها إلى نجد في 3 ساعات بالسيارة، كما ذكر أن بعض الجهات لا ترى فيها غير الرمال المرتفعة التي تكاد تبتلع المارة لنعومتها وعدم تماسكها فيتجنبها المسافرون ابتغاء سلامة أرواحهم وأموالهم. (5-4) الربع الخالي
ويسمى أيضا صحراء الجنوب، هو منطقة لم يطأها قدم مستكشف إلا منذ نيف وعشر سنوات؛ حيث نجح برترام توماس في اختراقها في 58 يوما من بحر العرب إلى الخليج الفارسي، واكتشف في أثناء رحلته بحيرة من الماء الملح طولها سبعة أميال؛ وقد قطعها من بعده «عبد الله فلبي»، ويرجح أنها صحراء ذات حصا وحجارة جيرية، وأنها عامرة بالكثبان الرملية المرتفعة مثل النفود الشمالية والدهناء، وطرفها الجنوبي الغربي يسمى بالأحقاف وهو المنطقة التي يظن أنها تضم آثار عاد البائدة، وتربي قبائل بني مرة وغيرها إبلهم في بعض أطرافها «كجنوبي نجد وأطراف عمان وحضرموت واليمن» حيث تكثر البرك والمستنقعات الملحة، وتشرب إبلهم الماء الملح بينما يشرب المربون أنفسهم ألبان الإبل. (5-5) الوديان
نامعلوم صفحہ