48

ما ہی سینیما

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

اصناف

شاشة دولوز الشبكية مقحمة في فراغ ثلاثي الأبعاد، وتتوسط على نحو استراتيجي «التعدد الفوضوي» للحركة الجزيئية الدقيقة. كانت النماذج الأخرى المذكورة هنا ذات بعدين، سواء إطار أرنهايم الجاذب نحو المركز، أو إخفاء بازان الطارد للخارج، أو دمج هيث السيميائي الذي يصنع رقعة من النسيج التي تنبسط أفقيا كاللفافة. على الرغم من ذلك، فإن الشقوق في النص يمكنها الكشف عن طبقات من خلف الشاشة المسطحة؛ حيث يشق شيء من بعد آخر طريقه من خلال فجوة، ليفيض على الرؤية الموجودة بالفعل بأهمية جديدة. تخيل المشاهد، مثل السلطان في فيلم «كان يا ما كان سينما»، وهو يعبر من ثقب ليصل إلى ما يلمح وراءه. تفضي السينما، على نحو أكثر بكثير مما تفعل الصورة الفوتوغرافية، إلى متسع إدراكي.

22

الشاشة إذا عتبة يجتازها المشاهد (أو شباك الرؤية في الكاميرا) على طريق التجربة البصرية. وتضيف العتبة بعدا ثالثا إلى الإطار، عمقا أو زمنا. وبصفتها خصيصة معمارية، تظل العتبة في علاقة دائمة بالفضاءات التي تقع على أي من جانبيها؛ لكن بما أنها تسمح بفعالية لفضاءات مختلفة بالتواصل، وبما أنها تعمل عمل المعبر من مكان لآخر، تشير العتبة ضمنيا إلى حركة لا يفعلها الإطار ولا النافذة مطلقا. ندخل الأفلام من خلال مجموعة من العتبات بدءا من ديكور دار العرض والبهو الذي يحوي ملصقاتها، ثم مرورا بالستار الذي يفضي إلى قاعة العرض. نجد مقاعدنا في ضوء خافت بينما يبدأ عرض الإعلانات ودعاية الأفلام التي تجتذب انتباهنا وتركز رؤيتنا على الشاشة تدريجيا. وتظلم القاعة كليا، ويضبط الإخفاء مع بداية الفيلم؛ وحتى في هذه المرحلة، يجب علينا المرور عبر شعار الاستوديو، وشارات البداية، ومجموعة من المقدمات التمهيدية النصية التي تسميها نظرية السرد بدقة «أدوات التأطير». هذه الأدوات هي عتبات السينما التي نعبر من خلالها في طريقنا إلى ما تحمله الشاشة وما لا تحمله.

إطار السينما ثلاثي الأبعاد الموسع هذا يميزها عن شاشة التليفزيون التي تعمل عن طريق تتابع إدراكات لحظية مجموعة معا في المونتاج. تعرض شاشة التليفزيون صورا، بينما تقودنا شاشة السينما نحو ما يقبع وراء المرئي مباشرة. فاجأ هذا السرياليين لدرجة أنه ربما ألهم مؤسسي هذه الحركة ببعض المصطلحات الرئيسية.

23

أفاض كل من روبير ديسنو وأندريه بريتون وسلفادور دالي، وخصوصا ماكس إرنست، في وصف الإثارة التي تمنحها السينما؛ إذ تدفع المشاهد للعبور من خلال الفتحات التي تحتويها الشاشة غالبا، فضلا عن الفتحة الكبيرة التي هي الشاشة نفسها. ما هي أنواع الواقع التي توجد وراءها؟ ما هي الرغبات التي تشجعنا على أن نسقطها عليها؟ بإدمانهم لكوميديا الشارع التهريجية التي قدمها ماك سينيت، ومسلسلات لوي فوياد التي حولت باريس إلى دراما سحرية للبراءة والشر، نظر السرياليون إلى السينما على أنها مهرب الحداثة من الروتين الفاتر للحياة والموت في العصر الصناعي للقرن العشرين.

كثف مارسيل دوشامب هذا النوع الجديد من التجارب في فيلمه المضحك الذي يصور رسومات متحركة تندفع في دوامات، «السينما الضعيفة» (أنيميك سينما) عام 1924، وهو العام نفسه الذي أنهى فيه تقريبا عمله «الزجاج الكبير» (لارج جلاس) الذي يعزز بشكل أكثر إيحاء فكرة ما عن السينما. جعل هذا العمل، بتمثيله طعم الاستثارات والإحباطات الإدراكية، دوشامب يعلق قائلا: «تأملت فكرة عرض إسقاطي، بعد رابع خفي ... قامت فكرة «العروس» في «الزجاج الكبير» على هذا، وكأنها إسقاط شيء ما رباعي الأبعاد. أطلقت على «العروس» اسم «تباطؤ في الزجاج».»

24

يمكن القول إن دوشامب كان أول من فكر في تأطير السينما داخل جدران المتحف. مثلما قامت الأفلام غالبا بإقحام لوحات داخل إطاراتها الأكثر شمولا، تعلمت المتاحف الرد عليها، بدفن السينما في غرف مخصصة للعروض، أو على نحو أكثر شيوعا، داخل تنويعة من مساحات المعارض؛ حيث تظل تعرض تكرارا ، أو تظهر على شاشات تقف وحيدة أحيانا ، أو مكدسة في مجموعات أحيانا، أو في أحيان ثالثة تعرض في حوار مع الصور الثابتة والمنحوتات والكلمات المكتوبة. من يرون هذه الصور لا يكونون جمهورا، لكنهم «زوار» متاحف بالمعنى الكامل للكلمة، وأحيانا ما يكونون زوارا فرادى. بعرض تجربة شاشة السينما المتحكم بها على نحو مميز، وبطريقة مثيرة للمفارقة غالبا، فإن المتحف يثبتها بمزيد من العمق.

في فترة ما بعد الحداثة، فكك الفنانون إطار الفيلم، سامحين لدماء الحياة السينمائية بالتدفق داخل مجموعة من حالات الوسائط المتعددة، سماها الناقد والكاتب الفرنسي ريمون بيلور «الصور المتداخلة.» مشيرا إلى تداخل حقيقي بين وسائط مثل السينما والتصوير. وتتبع إلى جانب جاك أومون وفيليب دوبوا ولوك فانشيري، مسار جيلين من الفنانين البصريين الذين ابتعدوا بصورهم عن السينما.

نامعلوم صفحہ