44

ما ہی سینیما

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

اصناف

يشخص دولوز السينما الحديثة إجمالا محددا الحضور المشترك للبدائل (لم لا نسميها «حالات الواقع الافتراضي»؟) في الأعمال الشهيرة التي أنتج معظمها بعد الحرب العالمية الثانية. أبرز مثال قابلناه مرارا هو المثال الذي كان جاك ريفيت يؤمن بأنه دشن الحداثة السينمائية، وهو فيلم «رحلة إلى إيطاليا». في هذا الفيلم، عرض روسيليني شخصياته ثنائية الأبعاد لطبقات تحت سطح المنظر الطبيعي لنابولي. عند بركان فيزوفيوس، تقف كاثرين (إنجريد برجمان) مدهوشة ومسرورة حينما تلقي بسيجارتها داخل حفرة، وتتسبب في خروج دخان كثيف من تحت الحقل الذي يحيط بها كله. رغم ذلك، وفي مناسبات أخرى، لا تود كاثرين مواجهة أي عالم وراء زجاج سيارتها. في المتحف؛ حيث تبدو التماثيل الرومانية ذات العضلات المفتولة حية في أفضل صورها، تشيح كاثرين ببصرها عنها. وفي المقابر، حيث توجد عظام الموتى ومواطنو نابولي في وقت واحد، تتحول كاثرين عنها. في النهاية، تبتعد شاعرة بالألم من إدراكها الكامل الذي تسببت فيه رفات زوجين استخرجت من تحت الأرض في بومبي حيث فاجأهما بركان فيزوفيوس منذ 1900 عام بوميض انفجاره أثناء عناقهما، فثبتهما على هذا الوضع إلى الأبد مثل صورة فوتوغرافية، تتضح تفاصيلها الآن فقط أمام عينيها. ينتهي الفيلم ب «معجزة»؛ إذ يتدفق فيضان من الرقة أو الحب من مستوى آخر ليشفي زواجا مشلولا، ولو إلى حين.

أتى وعيي بحساسية الحداثة السينمائية عام 1966 مع فيلم «انفجار» (بلو أب). في ذاك الفيلم، أحدث أنطونيوني مايكلانجلو ثقوبا في الشاشة بذكاء باستخدام الأداة الحادة لوسيط آخر، وهو التصوير الفوتوغرافي. تشبه نسخ الصور الفوتوغرافية المطبوعة الملتقطة في حديقة، التي يحمضها ديفيد هيمينجز ثم يعلقها على حبل لتجف، فتحات يجمح عبرها خياله، وخيالنا، بالشكوك والسيناريوهات البديلة. نحدق معه، وهو مأسور بثباتها، وخصوصا بعد الحركة واللون الحيويين في المشهد السابق مع موديلاته المراهقات، خلال مشهد تتابعي لمستطيلات بالأبيض والأسود - صور فوتوغرافية، ولقطات، ولطخات - ونشعر بريح باردة تهب من فضاء وراء الشاشة. يعلن فيلم «انفجار» أن أي صورة، مثل أي لوحة أو شاشة تليفزيون، موضوعة داخل الإطار الرئيسي للفيلم، يمكنها فورا غمر الشاشة بمادة تنتمي إلى مستوى من «الواقع» مختلف تماما. يسقط كل من الشخصية والمشاهد مشاعرهما الأخلاقية في هذه الإطارات الداخلية، هذه الواجهات، وهما مؤمنان بأن العالم الخارجي عرض شيئا لا يرى جزئيا في الصور التي ننظر إليها. لذا فإن «لا نقاء» السينما يتواطأ مع الجهاز الذي يشغلها: تتفاعل عناصر مختلفة داخل إطار مفرد، بينما تنفتح أنواع أخرى من الإطارات داخل الإطار الرئيسي.

عرض التصوير. «انفجار».

الإطار بوصفه عتبة

يتيح لنا تخيل أن الشاشة مسامية، كما فعلت سابقا، أن نتخيل إطار الشاشة بأبعاد ثلاثية، لا ببعدين اثنين، مثل الردهة التي يجتازها المرء في الطريق ليس إلى الصورة ولكن إلى تصور ما ليس هناك بكامله. المرادف الفرنسي لكلمة «لقطة» وهو «مستوى» يشجع هذا الخيال؛ إذ يأتي من المسرح، حيث يشير إلى المستوى الأمامي أو الأوسط أو الخلفي من خشبة المسرح. أحيانا ما تكون رؤية الجمهور لما يحدث في الخلفية محجوبة بسبب الستار (وهي مرة أخرى كلمة مشتقة من كلمة «إكرا»

ecran

الفرنسية التي تعني سطحا معتما يستخدم ساترا). ومثل مخرجي المسرحيات الذين يرفعون الستار بشكل مسرحي أحيانا، ليفاجئوا الجمهور بشدة، فإن صناع الأفلام، كما رأينا، ربما يمزقون الشاشة ليكشفوا مستوى آخر من «الواقع» وراءها. مع أخذ المصطلح الفرنسي في الذهن، يمكن التفكير في «المستويات» المتتابعة في أي فيلم على أنها تكون مخروطا إدراكيا، أو ما سماه بازان - باستخدام التسمية الهندسية الدقيقة - متوازي الأسطح. يفضي شباك الرؤية في الكاميرا، المماثل للشاشة من حيث الوضع، أي أنه مستوى مثلها في الشكل - إلى «مستويات» متعددة (لقطات بعيدة بقدر أو بآخر)، لتصنع متسعا إدراكيا. باندماج الجمهور مع الفيلم، ينتقل خيالهم الموجه بما يرونه عبر عتبة الإطار إلى داخل المتسع الإدراكي.

إحدى الإشارات الرمزية الجذابة عن قوة العرض التي تتمتع بها السينما صنعها المخرج الإيراني محسن مخملباف عام 1992، ردا على إزالة غموض السينما الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية. يعيد فيلمه المعنون في فيلم «كان يا ما كان سينما» («ونس أبون اتايم، سينما»، «نصر الدين شاه، أكتور إي سينما») يجدد دخول الكاميرا السينمائية القديمة (السينماتوغراف) إلى بلاد فارس في السنين الأولى من القرن العشرين. حيث يجب على بطل جذاب يتصرف مثل الكوميديان تشارلي شابلن إقناع السلطان بقيمة هذه التكنولوجيا السحرية، وهو ما ينجح فيه بفضل الجاذبية الأشد لنجمته - خطيبته - التي يقع السلطان في حبها تماما. الواقع أن السلطان يقع في حب صورتها، ويعتزم الحصول عليها. وتتاح له الفرصة حينما تسقط بطريقة ما عبر حد الإطار في الفيلم الميلودرامي داخل الفيلم، حين يطلق سراحها الشرير وهي تقع من فوق جرف، هابطة في اللقطة التالية إلى الغرفة نفسها التي يجلس فيها السلطان محدقا فيها من خلال ثقب كينتوسكوب عملاق لعرض الصور المتحركة. بعد اندهاشه، ثم إثارته، يطاردها حتى تعبر داخل ثقب الجهاز عائدة إلى الشاشة، إلى موقعها الوجودي الملائم بوصفها صورة.

لكون البطل صانع أفلام ومشغلا لآلات العرض في آن واحد، فربما يكون أحد «المشغلين» الذين أرسلهم الأخوان لوميير في أنحاء العالم مع «سينماتوغرافاتهم». هذه هي الآلة التي رفضها الفيلسوف هنري بيرجسون في كتابه «التطور الإبداعي» عام 1908 على نحو مشين، وهو حكم متسرع يبرره جيل دولوز بارتباك بيرجسون النابع من المساواة بين التسجيل والعرض، وكان من الأرجح أن يفعل ذلك لأن الجهاز الأصلي كان يقوم بالوظيفتين فعلا.

9

نامعلوم صفحہ