43

ما ہی سینیما

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

اصناف

يزيد نطاق العرض السينمائي من تكثيف هذه التساؤلات الأخلاقية. واتفاقا مع جودار في هذا الموضوع، ينسب إلى كريس ماركر القول: «لا يصبح الفيلم فيلما إلا عندما يكون الناس على الشاشة أكبر حجما من أولئك الذين يشاهدونه.» صنع ماركر تركيبات متحفية باستخدام الشاشات، وأنتج أسطوانات دي في دي للكمبيوتر؛ لذا فإن ملحوظته لا تؤسس نظاما لترتيب الأفلام، لكنها تؤسس تمييزا؛ فضخامة التجربة تعتمد على حجم الشاشة. يعود ميلاد السينما رسميا إلى أول عرض عام على شاشة في مقهى جراند كافيه يوم 27 ديسمبر 1895، وليس إلى اللحظة التي وقف فيها توماس إديسون لأول مرة على قاعدة بناها لتتيح لمشاهد واحد في كل مرة النظر للأسفل إلى شاشة مستطيلة صغيرة. أصبحت الشاشات الصغيرة بديلا مرة أخرى، لكن صور الغشيان التي التقطها روش يندر أن تتمكن من كسب تأثيرها إن شوهدت على تليفزيون تقليدي أو هاتف آيفون.

النطاق الرأسي ذو البعدين غير مسئول بالكامل عن قوة العرض السينمائي. في لحظات استثنائية، تفضي الشاشة المسطحة إلى بعد ثالث، يحس كأنه عمق أو زمن. لينجز روش مشروعه الجذري، يقطع الغشاء الذي يفصل بين كل مستوى من الواقعية والمستوى الذي يليه، مسببا اضطراب عالم من يصورهم ومن يشاهدون أفلامه.

7

خاطر روش بتبديد قيمة طقوس السيجوي بعرض الهروب المقدس خلال الغشاء الذي يركز أسرار الثقافة داخل مجال محكم. بعد المرور من خلال عدسة آلة العرض إلى شاشة في أوروبا أو الولايات المتحدة بعد ذلك بسنوات، ربما تهرب القوة الروحية لهذه الطقوس كما يتسرب الهواء من إطار مثقوب. لم يواجه روش بفيلم «السادة المجانين»، خطر التبديد، ولكن عكسه: ماذا يكون الغشيان سوى الدخول في نوبات من الهلوسة للوصول إلى تركيز مذهل، في حالة مختلفة تماما بلا تأكد من العودة بأمان؟ في كلتا الحالتين، تصير الصور قذائف تحفر ثقبا في الشاشة تمر منه قوة جبارة آتية من مكان آخر.

تتضمن الفنون كلها قدرا من تغيير المستويات، لكن أيا منها لا يفعل ذلك بأوضح مما تفعله السينما؛ لأنها تنقل المشاهد من حالة لأخرى بقفزات مفاجئة غالبا. يمثل الذهاب إلى دار العرض بذاته نقلة دراماتيكية غير متاحة لمشاهد التليفزيون في المنزل. ربما يمكن أن تمثل القصة التالية التي نشرتها صحيفة إنترناشونال هيرالد حكايتنا الرمزية:

8 سبتمبر 2004: اكتشفت الشرطة في باريس دار سينما مجهزة بالكامل في مغارة كبيرة ومجهولة تحت الدائرة السادسة عشر الفاخرة في العاصمة. يعترف الضباط أنهم محتارون في معرفة من بنى أو استخدم أحد أكثر الاكتشافات إثارة للاهتمام في باريس مؤخرا. عثر بعض الضباط على المجمع السينمائي خلال تدريب تحت مبنى «باليه دو شايو». بعد دخول شبكة الصرف من ماسورة مجاورة لساحة تروكاديرو، صادف الضباط لافتة وراء غطاء تقول «موقع بناء. ممنوع الدخول.» وراءها كان هناك نفق به مكتب وكاميرا لدائرة تليفزيونية مغلقة معدة لتسجل تلقائيا صور أي شخص يمر. كان هذا النظام يشغل أيضا شريطا لكلاب تنبح، «مصمما، كما هو واضح ، لإبعاد الناس». وعلى مبعدة من ذلك، كان النفق يفضي إلى كهف واسع، مساحته 400 متر مربع، يقع على عمق 18 مترا تحت الأرض، وكان يبدو «مثل مدرج تحت الأرض، يحتوي على مقاعد ودكك محفورة في الصخر.» هناك عثرت الشرطة على شاشة سينما بالحجم الطبيعي، وآلة عرض، ومجموعة متنوعة من الأفلام تضم كلاسيكيات أفلام «النوار» من خمسينيات القرن العشرين وأفلام إثارة حديثة.

هذا الاكتشاف الغريب يكشف الآلية الخفية النفسية والسياسية للعرض السينمائي. بالنزول تحت صخب العمل والتبادل اليوميين، يجتاز المشاهد الشجاع بابا، أو شباك تذاكر، أو مدخلا، وأحيانا ستارة مخملية، تجاه منطقة محروسة تستحضر فيها رؤى قديمة (أفلام «النوار» والإثارة) من الظلام. كتب بازان: «يمكنني القول عن السينما إنها ذلك الوميض الخافت الذي يستخدمه الدليل الذي يأخذنا إلى ليل حلم يقظتنا، وهو المساحة الكبيرة التي تحيط بالشاشة.» ربما سبق أن جوف كريس ماركر هذا الكهف في أعماق باريس لإعداد مسرح أحداث فيلمه «المرفأ» («لا جيتيه»، 1962). في هذا الفيلم، تتجمع مجموعة من الناجين تحت الأرض لتخطيط لمستقبلهم، بعد عجزهم عن العيش فوق سطح المدينة الملوث. يختارون «متطوعا» موهوبا له خيال قوي، ويسقطونه في مناطق زمنية مختلفة بحثا عن حل ربما ينقذ الواقع المحكوم عليه بالهلاك.

يجسد «المرفأ» تلك العملية الخارقة التي يجدها سلافوي جيجك فعليا في كل فيلم يثير اهتمامه: حينما تبدو الشخصيات التي يواجه بعضها بعضا محصورة في مواقفها بلا خلاص، أو حينما يتضح أن الكاميرا استنفدت العالم الظاهر في المنظومة النصية للفيلم، أو حينما يبدو أن العمل السينمائي عازم على تكرار نفسه في دائرة لا نهائية، حينئذ، قد تأتي قوة ما لتشق الشاشة وتسمح بخروج طبقة أخرى من الواقع من ورائها. في السينما الكلاسيكية، غالبا ما أعادت هذه الطبقة الأعمق تفصيل قواعد الدراما، لكن عادة بالتتابع، أي بالطريقة التي يعيد بها فيلم «ساحر أوز» بناء كنساس، أو مشهد لحلم يبزغ ويخفت، مقاطعا القصة «الواقعية» بشيء من خيال شخصية ما. في السينما الحديثة، تتعايش مثل هذه الطبقات معا في هيئة صور افتراضية لبعضها البعض؛ «بطريقة غير مدركة» كما يقول جيل دولوز. يحتفي جيجك بالأفلام الاستثنائية بسبب الطريقة الواثقة التي تقطع بها مشاهدها نسيج المنظومة النصية للفيلم بعنف، ثم تخيطها معا بمهارة، مكونة في الغالب إطارا داخليا لحفظ الطاقة المنتجة تحت الضغط أو لزيادتها، ولمنعها من بالتسرب. أوضح أمثلته مأخوذة من فيلم يقترح عنوانه معضلة وهو «الحياة المزدوجة لفيرونيك» («ذا دبل لايف أوف فيرونيك»، «لا دوبل في دي فيرونيك»؛ بودفوينا جوتيا فيرونيكي، 1991). يصور كريستوف كيشلوفسكي موضوع الفيلم عن الازدواجية في مشهد جميل: تنظر المغنية البولندية أثناء جلوسها في قطار إلى المناظر الطبيعية المتعاقبة، أولا من خلال الزجاج المشوه لنافذة القطار، ثم من خلال كرة زجاجية تمسكها لتعكس المجال البصري. قدم كيشلوفسكي، سرديا وصوريا، عالما أكبر من أي قصة فردية أو منظور فردي، وحافظ عليه، وفعل هذا من خلال الإطار المحدود، أو الواجهة، لكرة زجاجية صغيرة.

مثل هذه الواجهات الداخلية التي تضاعف الحالات يمكن العثور عليها في الأفلام الشهيرة كذلك. ينبع مثال شهير حير كثيرا من المشاهدين من فيلم «الجمال الأمريكي» («أمريكان بيوتي»، 1999)، حينما قطع منظره الطبيعي الفسيح في الضواحي بلقطة طويلة أكثر من المعتاد لكيس بلاستيكي كبير يتمايل بلا حول ولا قوة مع الرياح. جاءت هذه اللقطة من خلال شريط فيديو وضع في المشغل، وهو ما جعل شاشة التليفزيون في بيت العائلة من الطبقة المتوسطة تنفتح على عالم مختلف تماما بزمانه الخاص، مجسد بوسيطه الملائم (مقطع فيديو أبيض وأسود). وبالمثل، يعوق مشغل فيديو تدفق فيلم أسيئت معاملته خلال هذا «البيان»، وهو فيلم «أميلي». يقبع تليفزيون مكسو بطريقة غريبة مثل تمثال منحوت في شقة الفنان دوفايال في قبو البناية، كبقعة عمياء غامضة. لكن، بفضل أميلي، يظهر شريط فيديو بطريقة غامضة في غرفته، مضيئا الشاشة، ليعرض الصور الحرة الوحيدة في الفيلم بأكمله: طفل يسبح تحت الماء، ومغني أغاني حزينة، ورجل أسود بقدم اصطناعية يرقص رقصة النقر بالقدم. هل قدم جونيه هذه الصور الجرثومية في مقطع الفيديو ليلوث بالمقاطع الخام وهج الصحة المصطنع الذي صنعت صوره بطريقة مختلفة لكي تبثه، أم كان يأمل أن يبرز اللقطة الأخرى في القبو، وهي لوحة رينوار المهيمنة «جماعة القارب» التي كان دوفايال يهدف لإتقان رسمها؟

8

نامعلوم صفحہ