وكان ظلاما حالكا؛ لأن الثقافة كانت وقفا على الرهبان، يبحثون جغرافية العالم الآخر، وهم لا يدرون جغرافية هذا العالم، ويشرحون للناس كيف يجب أن يموتوا بدلا من أن يشرحوا لهم كيف يجب أن يعيشوا، ويشتبكون في مشكلات «ذهنية» أولى بها أن يبحثها الأطفال وأن يضحكوا منها، مثل قيمة الرقم 7 في الدنيا والآخرة، ومثل عدد الملائكة الذين يمكنهم أن يقفوا على رأس إبرة، ومثل مكان الروح من الجسم. الخ ...
كانوا يبحثون العقائد لا الحقائق.
ولكن رويدا رويدا تنبه الأوروبيون إلى أنهم جهلاء، ونظروا حولهم فوجدوا أن الأمم الإسلامية في إسبانيا وفي الشرق تحيا حياة القوة والذكاء، فقصدوا إليها يدرسون وينقلون مؤلفات ابن رشد، وابن سينا، وابن طفيل، وابن حزم، وغيرهم.
ثم لم يقنعوا بما ألفه المسلمون، إذ هم نقلوا أيضا للغة اللاتينية مؤلفات الإغريق القدماء التي كان المسلمون قد ترجموها إلى اللغة العربية، فعرفوا أفلاطون وأرسطوطاليس عن طريق اللغة العربية.
واستطاعوا أن يعرفوهم أكثر عندما هاجر الإغريق من القسطنطينية إلى أوروبا الغربية، فأصلحوا أخطاء الترجمة التي كان المترجمون المسلمون قد وقعوا فيها عندما نقلوا أرسطوطاليس وأفلاطون وغيرهما إلى اللغة العربية. •••
ومضى الناهضون يجترئون ويفكرون.
ولكن رويدا رويدا اتضح لهم أنهم قد خرجوا وتخلصوا من قدماء الكنيسة إلى قدماء الإغريق.
قدماء بدلا من قدماء.
وإن العرب لا يختلفون عن القدماء؛ لأنهم اعتمدوا عليهم، أي: على القدماء، حتى إن ابن رشد كان يعتقد أنه لم يخلق في العالم إنسان مثل أرسطوطاليس.
وعندئذ تساءل هؤلاء الناهضون: «هل المعارف الحقة الصادقة تؤخذ من الكتب القديمة أو تؤخذ من الطبيعة؟»
نامعلوم صفحہ