ما الحياة؟: الجانب الفیزیائی للخلیة الحیة
ما الحياة؟: الجانب الفيزيائي للخلية الحية
اصناف
لكن حين تتتبع أصل موروثاتك حتى تصل إلى أجدادك، فإن الأمر يكون مختلفا. دعوني أركز اهتمامي على مجموعة كروموسوماتي الأبوية، وعلى وجه الخصوص على واحد منها، فلنقل الكروموسوم رقم 5. إنه صورة طبق الأصل إما من الكروموسوم رقم 5 الذي حصل عليه أبي من والده، أو ذلك الذي حصل عليه من والدته. تقرر هذا الأمر باحتمال 50:50 في الانقسام الميوزي الذي حدث في جسم أبي في نوفمبر عام 1886 وكون الحيوان المنوي الذي سيكون له دور فعال بعد بضعة أيام في إنجابي. ويمكن تكرار القصة نفسها مع الكروموسومات أرقام 1 و2 و3 ... و24 من مجموعة أبي، وبعد إجراء التعديلات اللازمة، مع كل من كروموسومات والدتي. بالإضافة إلى ذلك، يكون كل كروموسوم من الكروموسومات الثمانية والأربعين مستقلا بالكامل. فحتى إن كان معروفا أن كروموسومي الأبوي رقم 5 كان مأخوذا من جدي جوزيف شرودنجر، فإن ذلك الذي رقمه 7 ما زال ثمة احتمال متساو بأنني حصلت عليه من جدي أيضا، أو من زوجته ميري، التي كان لقبها قبل الزواج بوجنير. (8) العبور الكروموسومي: موضع الخصائص الوراثية
إلا أن الصدفة المحضة تحظى بنطاق أوسع عند خلط موروثات الأجداد في الذرية عما بدا في الوصف السابق؛ حيث ذكر افتراض ضمني، أو حتى ذكر صراحة أن كروموسوما معينا يأتي بالكامل من الجد أو الجدة، أو بعبارة أخرى، أن الكروموسومات الفردية تنتقل دون تقسيم. في الواقع لا يحدث هذا، أو ربما لا يحدث دائما. فقبل الانفصال في الانقسام الاختزالي، يقترب من بعضهما أي كروموسومين «متماثلين» حيث يتبادلان أحيانا أجزاء كاملة منهما على النحو الموضح في الشكل
2-2 . وعن طريق هذه العملية، التي يطلق عليها اسم «العبور الكروموسومي»، تنفصل بعد أيام خاصيتان وراثيتان تقعان في الأماكن المخصصة لهما في هذا الكروموسوم في جسم الحفيد الذي سيشبه الجد في إحداهما، ويشبه الجدة في الأخرى. أمدتنا عملية العبور هذه التي لا تعتبر شديدة الندرة أو بالغة الشيوع، بمعلومات لا تقدر بثمن حول موضع الخصائص الوراثية في الكروموسومات. ولأجل الحصول على إطلالة شاملة، علينا أن نعمد إلى مفاهيم لن نقدم لها قبل الفصل التالي (مثل تغاير اللواقح والسيادة ... إلخ). لكن بما أن هذا سيخرجنا عن نطاق هذا الكتاب الصغير، دعوني أشر إلى النقطة الأساسية التي أود التركيز عليها هنا على الفور.
فلو لم يكن هناك عبور للكروموسومات، لانتقلت أي خاصيتين يكون الكروموسوم نفسه مسئولا عنهما دوما معا عند عملية الخلط، ولم يكن أي سليل ليحصل على إحداهما دون الأخرى، لكن أي خاصيتين، نظرا لوجود اختلاف في كروموسوماتهما، يكون ثمة احتمال 50:50 لانفصالهما أو تنفصلان في جميع الأحوال، بحيث تحدث الحالة الثانية هذه عند وجودهما على كروموسومات متماثلة للسلف نفسه؛ ومن ثم لا تتحد إحداهما مع الأخرى أبدا.
شكل 2-2: «العبور الكروموسومي». الشكل الأيمن: كروموسومان متماثلان يقتربان جدا من بعضهما. الشكل الأيسر: الكروموسومان بعد عمليتي التبادل والانفصال.
يتداخل مع هذه القواعد والاحتمالات عملية عبور الكروموسومات؛ ومن ثم يمكن التأكد من احتمالية هذا الحدث عن طريق التسجيل الدقيق لنسب تركيب النسل في تجارب تكاثر موسعة، وضعت خصوصا على نحو مناسب من أجل هذا الغرض. وعند تحليل الإحصاءات، يتقبل المرء الفرضية العاملة الموحية التي تشير إلى أن «الارتباط» بين خاصيتين موجودتين على الكروموسوم نفسه يقل احتمال فكه بفعل العبور الكروموسومي كلما زاد اقترابهما من بعضهما؛ حيث سيقل احتمال وجود نقطة تبادل بينهما، في حين تنفصل الخصائص الواقعة بالقرب من الطرفين المتقابلين للكروموسوم مع كل عملية عبور. (الشيء نفسه تقريبا ينطبق على إعادة تجميع الخصائص الوراثية التي تقع على كروموسومات متماثلة للسلف نفسه.) بهذه الطريقة يمكن توقع الحصول من خلال «إحصاءات الارتباط» على نوع ما من «خريطة الخصائص الوراثية» في داخل كل كروموسوم.
هذه التوقعات أكدت جميعا. في الحالات التي خضعت للاختبار على نحو تام (بالأساس، ذبابة الفاكهة، لكنها ليست الوحيدة)، تنقسم الخصائص الوراثية المختبرة إلى العديد من المجموعات المنفصلة، دون وجود ارتباط بين مجموعة وأخرى؛ نظرا لوجود كروموسومات مختلفة (أربعة في ذبابة الفاكهة). وضمن كل مجموعة يمكن رسم خريطة خطية للخصائص الوراثية التي تحدد كميا درجة الارتباط بين أي اثنتين في هذه المجموعة، بحيث تكون درجة الشك صغيرة فيما يخص مواضعها الفعلية، وأنها تتموضع بطول خط؛ وذلك كما يشير الشكل القضيبي للكروموسوم.
بالطبع، إن مخطط الآلية الوراثية، كما هو مرسوم هنا، لا يزال إلى حد ما فارغا وغير ملون، وربما بدائيا أيضا بعض الشيء. فنحن لم نصرح بعد بما نعنيه بالضبط بكلمة خاصية؛ إذ يبدو أنه ليس مناسبا أو محتملا أن نقسم نمط أي كائن حي الذي هو بالضرورة وحدة أو «كل» واحد إلى «خصائص وراثية» منفصلة ومتمايزة. ما وضحناه وذكرناه بالفعل أنه في أي حالة معينة كل زوج من الأجداد يكونان مختلفين في جانب معين ومحدد (فلنقل إن أحدهما عيناه زرقاوان والآخر بنيتان)، والنسل سيتبع في هذا الشأن أحدهما فقط. ما حددنا موضعه على الكروموسوم هو مكان هذا الاختلاف. (ندعوه بلغة التخصص «الموقع» أو لو فكرنا في تركيب المادة النظري الذي يقوم عليه، فسندعوه «جينا».) الاختلاف في الخصائص الوراثية - من منظوري - هو حقيقة المفهوم الأساسي الجوهري أكثر من الخصائص نفسها، على الرغم من التناقض اللغوي والمنطقي الواضح في هذه العبارة. فالاختلافات في الخصائص الوراثية في واقع الأمر منفصلة ومتمايزة، كما سيظهر في الفصل التالي عندما يتوجب علينا الحديث عن الطفرات، ويكتسب المخطط الممل المطروح حتى الآن - كما أتمنى - حياة أكثر. (9) الحجم الأقصى للجين
قدمنا توا مصطلح الجين للتعبير عن المادة النظرية نفسها الحاملة لملمح وراثي محدد. يجب الآن أن نؤكد نقطتين ستكونان ذواتي دلالة عالية لعرضنا. النقطة الأولى هي الحجم، أو بالأحرى الحجم الأقصى لهذا الحامل؛ بمعنى آخر، إلى أي حجم صغير نستطيع تتبع الموضع؟ النقطة الثانية هي ديمومة الجين التي تستنتج من استمرار النمط الوراثي.
بالنسبة للحجم، يوجد تقديران مستقلان تماما، أحدهما يستند على الدليل الجيني (تجارب التكاثر)، والثاني على الدليل الخلوي (الفحص المجهري المباشر). الأول من حيث المبدأ البسيط بالقدر الكافي. فبعد تحديد مواقع عدد كبير من الملامح المختلفة (الواسعة النطاق) - لنقل ذبابة الفاكهة - ضمن كروموسوم معين من كروموسوماتها، بالطريقة الموصوفة بالأعلى، يمكن الحصول على التقدير المطلوب بقسمة الطول الذي قسناه لذلك الكروموسوم على عدد الملامح، ونضرب الناتج في طول المقطع العرضي؛ إذ نرى بالطبع أن الملامح تكون مختلفة فقط عند انفصالها من آن لآخر بسبب عملية العبور؛ ومن ثم لا يمكن أن تكون جزءا من التركيب نفسه (المجهري أو الجزيئي). من ناحية أخرى، من الواضح أن تقديرنا يمكنه فقط أن يحدد الحجم الأقصى؛ لأن عدد الملامح التي تفصل بواسطة هذا التحليل الجيني يتزايد باستمرار مع استمرار عملية البحث.
نامعلوم صفحہ