ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
شكل 4-8: جناح سينسبري في المعرض الوطني بلندن (1991)، تصميم فينتوري، مؤسسة سكوت براون آند أسوشيتس. (مبنى جديد، يحاكي أساليب معمارية أقدم. أهي محاكاة ساخرة؟)
تنعكس معظم تلك السمات في تصميم براون وفينتوري لجناح سينسبري (1991) التابع للمعرض الوطني في لندن؛ حيث أشار المهندسان المعماريان ضمنيا إلى الأعمدة الجدارية المزخرفة في المبنى الرئيسي، من خلال تجميع تلك الأعمدة في ركن مبنى الجناح ثم زيادة المسافة بينها، وهو ما علقت عليه ديان جيراردو قائلة:
على الرغم من سيطرة العناصر الكلاسيكية، فإنهما يكسران قواعد الأسلوب الكلاسيكي بطرق متعددة السمات، وذلك على سبيل المثال من خلال التعامل الأسلوبي مع الأعمدة الجدارية المزخرفة، أو فتحات المداخل والنوافذ، وأرصفة التحميل غير الكلاسيكية على الإطلاق والمقتطعة من ارتفاع المبنى على نحو يشبه أبواب الكراجات؛ مما يضعف الشعور بالتأثير الكلاسيكي ويناقض المنطق المعماري الذي يبرز جليا في نواح أخرى. فكل تفصيلة كلاسيكية أو عنصر وافر التكرار يقابله عنصر آخر يضعف الأسس الكلاسيكية أو يناقضها؛ إذ يرى فينتوري وسكوت براون أن التنوع الاجتماعي والثقافي المعاصر يستدعي معمارا غامضا وزاخرا بالتفاصيل لا واضحا ونقيا.
ديان جيراردو، «فن عمارة ما بعد الحداثة» (1996)
شكل 4-9: مسرح أبراكساس، تصميم ريكاردو بوفيل. (قد تشعر بالضآلة في نسخة ما بعد الحداثة هذه لقصر فيرساي. إنه تصميم يناسب الملوك، أليس كذلك؟)
يؤمن المعماريون أمثال فينتوري بأن لغة المعمار الحداثي، التي تبني الشكل على أساس الوظيفة، هي لغة شديدة التزمت؛ ومن ثم يجب عليها إفساح المجال أمام ما ينتجه التباين والتناقض من حراك وإثارة لا شك فيها. إن عملا من هذا الطراز يفكك ذاته بسهولة.
رغم ذلك، قد تتحول تلك التأثيرات المزدوجة المعنى من مزج محفز ومرض في النهاية بين التقنيات الأسلوبية - كما نرى في المعرض الوطني وفي معرض ولاية شتوتجارت الجديد الذي صممه ستيرلينج - إلى ابتذال رخيص أقل تعقيدا بمراحل. وذلك رأيي على أي حال في تصميمات مثل مجمع «مساحات أبراكساس» السكني، للمعماري ريكاردو بوفيل الذي يحاكي الطراز المعماري الكلاسيكي، مقدما ما يطلق عليه «قصر فيرساي شعبي» في مدينة مارن لا فاليه (1978-1982).
البناء بأكمله يحمل طابعا متكلفا ومتضخما إلى حد بالغ التنافر والغرابة؛ فالواجهات التي يكاد يغلب عليها الطابع السيريالي - بأعمدتها المهيبة - تخفي وراءها مجمعات سكنية حديثة تثقل عاتقها الزخارف الباروكية الخرسانية. يعكس المبنى طرازا معماريا ضخما وفاشيا يحاكي أساليب معمارية أخرى، ومن المدهش (أو ربما من المتوقع) أن الكثير من أعمال بوفيل قد راقت للسلطات المحلية في فرنسا. تتجلى الثنائيات الضدية بحق في هذا النموذج، لكن الإطار الإنساني وراحة الإنسان وكرامته لا تلقى هنا سوى أقل عناية كما كان حالها في النموذج النقيض؛ أي في التصميمات الحداثية المتقشفة والأقل قيمة للمعماري لو كوربوزييه.
الخطاب والسلطة
شهدت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين تسييسا متزايدا لحركة ما بعد الحداثة الطليعية؛ فمعظم الفنانين كان لديهم تصور ما عن العلاقة بين الخطاب والسلطة من منظور فوكو، وطالما جاء هذا التصور في صورة وعي بطرق توافق - أو عدم توافق - «رسائل» أو دلالات الأعمال الفنية مع المؤسسات المكرسة لتدعيمها. أدى هذا إلى نقد ظاهرة اعتماد الفن على «التحالف بين المعارض الفنية والمتاحف» (على غرار «التحالف الصناعي العسكري»). تتمحور الفكرة هنا حول كون المتحف - بوصفه أشبه بمعبد علماني - «يضفي الشرعية» على العمل الفني من خلال الخطاب شبه الديني الذي يتبناه أمناؤه والنقاد/المعلقون التابعون لهم. لكن طريقة اختيارهم لمجموعة الفنانين وكتابتهم لكتيبات المعارض التعريفية هي ما يهم فعليا، وكان استعدادهم للسماح بدخول هذا النقد العدائي إلى المؤسسة في هذه الفترة يعتمد اعتمادا كبيرا على الدرع الفكرية التي توفرها النظرية الأكاديمية.
نامعلوم صفحہ