وفي جلسة 30 مارس 1932 يقرر مجلس الوزراء برياسة إسماعيل صدقي باشا عزل طه حسين من الحكومة، فينقطع مورد رزق الأسرة الوحيد مرتب الأستاذ العميد.
وتبلغ كل الجهاد أن طه حسين شخص مغضوب عليه من السراي ومن الحكومة، وأن التعاون أو التعامل معه يعتبر تصرفا غير ودي ضد حكومة مصر وملكها.
وتبلغ شركة مصر الجديدة «البلجيكية» أن طه حسين لم يعد من موظفي الحكومة المصرية، ولذلك يتعين أن يخلي المسكن الذي تؤجره الشركة له في شارع المنيا؛ لأنه من المساكن المخصصة لسكنى موظفي الحكومة.
والشركة البلجيكية مضطرة للتنفيذ، فهي تطلب إلى طه حسين أن يترك مسكنه الذي قررت الحكومة أنه لم يعد له حق في سكناه، ولكنها تبلغه أن المسكن المجاور «ومدخله في شارع الساكركين» ملك لها، وليس مخصصا للموظفين، وهو خال في الوقت الحاضر فهي تؤجره له.
ويبدأ نقل الأثاث (على الرءوس وحملا على الأكتاف) بين المنزلين، ويساعد في ذلك بهمة - وبسخط على الحكومة شديد - البستاني عم إسماعيل.
ويعود البستاني إلى المنزل القديم بعد انتهاء النقل، ومعه فأس كبيرة، ويبدأ، في شهر إبريل، يحفر حفرا كبيرة حول الشجيرات الأربع التي كان العميد قد اعتاد أن يقرأ في ظلها ، إنه مصمم على أن يخلعها، وعلى أن يحملها وينقلها إلى حديقة البيت الجديد، في مكان مماثل للمكان الذي كانت قائمة فيه. هذه الأشجار هي أشجار طه حسين، وهي لذلك لا شك سترفض أن تموت حتى لو نقلت في أول الصيف، في مصر الجديدة، وهي كبيرة ضخمة ذات جذور وفروع.
وتدعو الجامعة الأمريكية بالقاهرة طه حسين لإلقاء سلسلة من المحاضرات عن الأدب العربي يشهدها الجمهور، فيذهب طلبة الجامعة المصريون، وبينهم الطالب مصطفى أمين، إلى طه حسين في منزله للإلحاح عليه في القبول فيقبل.
ويستقبل طه حسين أجمل استقبال عندما يصل إلى قاعة المحاضرات في شارع الشيخ ريحان، ويحاول الطلبة أن يحملوه على أعناقهم حتى المنصة ولكنه يعتذر ويسير إليها بهدوء مع رئيس الاجتماع.
ويقدم الرئيس، الدكتور ماكلنهن، المحاضر للجمهور بكلمة يقول فيها إنه لم يستمع من قبل إلى محاضر استطاع مثل طه حسين أن يجمع بين ثراء اللفظ وحلاوته وبين الدقة في التعبير عن المعاني الرائعة. ثم يدعو طه حسين ليبدأ سلسلة محاضراته. وعندما تنتهي المحاضرة يشق طه حسين الزحام إلى سيارته مع زوجته وولديه وسكرتيره، وهتاف الحاضرين المدوي بحياته يصاحبهم، حتى يركب سيارته ويبتعد بها عن الجامعة.
4 •••
نامعلوم صفحہ