لوتھر مقدمہ قصیرہ
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
واجه لوثر والإصلاحيون الآخرون التحدي نفسه لدى تدريس تعاليم الإيمان الحق والأعمال الصالحة؛ ففهم الفروق الدقيقة التي ميزت مبدأ «الإيمان وحده» كان أصعب على العامة من فهم مبدأ «تمجيد المسيح وحده»، فكان مبدأ «الإيمان وحده» في مسيحية لوثر الجديدة يعني أن الرب يتقبل المؤمن لإيمانه بالمسيح وحسب، وليس لتمام إيمانه وتفعيله بالأعمال الصالحة التي تستأهل الثواب. ومع ذلك، يتوقع من المؤمن عمل الصالحات؛ لأن الأعمال الصالحة تترتب دائما على الإيمان الحقيقي. كتب لوثر في مقدمته عن سفر أهل رومية في الإنجيل الألماني أن الإيمان «شيء نابض بالحياة مفعم بالحركة والنشاط والقوة»، ينجز على الدوام الأعمال بدون أن يسأل عما إذا كان إنجازها ضروريا أم لا. فهو يقول: «الفصل بين الأعمال والإيمان مستحيل بقدر ما يستحيل الفصل بين الحرارة والنور اللذين ينبعثان من النار.» فكان مفاد رسالته التي وصلت إلى سامعيه وقراء كتاباته أن: «الإيمان وحده يخلصكم، لا الأعمال الصالحة، لكن مع ذلك عليكم بعمل الصالحات؛ فهي لا تمنحكم الخلاص، لكن لا غنى عنها للعيش كمسيحيين.» كان هذا هو أول الفروق الدقيقة التي ميزت مبدأ «الإيمان وحده»؛ الأعمال الصالحة ضرورية، ولكنها ليست ضرورية للفوز بالخلاص.
ثاني الفروق الدقيقة التي ميزت هذا المبدأ هو تعريف الأعمال الصالحة. كانت الأعمال الصالحة في عرف العصور الوسطى هي بالأساس أنشطة دينية تستأهل الثواب كالأنشطة الدينية التي عددها لوثر أعلاه. وكانت هذه الأعمال موجهة للرب؛ لأن فاعليها حسبوا أنها تكسبهم الخلاص. وبالنسبة للوثر، كان هذا هو النوع الخاطئ من الأعمال الصالحة التي يختارها المسيحي بنفسه؛ ولكن كان ثمة نوع صائب فسره في رسالة رائعة (نشرت عام 1520) تطرح مقدمة مباشرة لعقيدة لوثر ومنطقه لحركة الإصلاح الديني. يتألف النوع الصائب من الأعمال الصالحة في منظوره من الالتزام بالوصايا العشر، التي توصي أولاها بالإيمان نفسه الذي يفي بوصية عدم إشراك إله مع الله، وقد فسر ببساطة متناهية في ملخصه القصير للعقيدة المسيحية كيف يفي الإيمان بهذه الوصية قائلا: «علينا أن نتقي الرب ونحبه، ونثق به فوق كل شيء.» نقيض الإيمان هو الشرك، وهو الثقة في آلهة أخرى من أي نوع، سواء الأوثان التي تصنع بالأيدي، أو غيرنا من البشر، أو المثل العليا أو السلع المادية. فكان الإيمان كأول الأعمال الصالحة الحقة موجها للرب، وكذلك كان إجلال اسم الرب في (الوصية الثانية)، وتذكر يوم السبت (في الوصية الثالثة) ولكن ليس لأن اتباع هذه الوصايا الثلاث الأولى يمنح الخلاص، بل الإيمان بالله هو مصدر جميع الأعمال الصالحة الحقة التي توجه للخارج نحو إخواننا في الإنسانية في طاعة سائر الوصايا، فهذه الأعمال ليست من تعاليم الدين، ولكنها تكريس من المرء لحياته العامة والخاصة للأعمال الخيرية والصدق والتعاطف، وتقديم التشجيع والدعم والعون والإنصاف. ويوجز لوثر الاختلاف بين الأعمال الصالحة حقا وغير الصالحة كالآتي:
أي عمل لا يمارس فقط لإخضاع الجسد للسيطرة أو لخدمة إخواننا في الإنسانية (ما داموا لا يطالبون بما يخالف مشيئة الرب)؛ غير مجد وليس من تعاليم المسيحية؛ لذا أخشى أن القليل فقط من الجمعيات الكهنوتية والأديرة والمذابح والطقوس الكنسية القائمة اليوم، إذا وجدت، تعد حقا من تعاليم المسيحية، ويدخل في ذلك الصيام والصلوات الخاصة التي تتلى في بعض أيام أعياد القديسين؛ لذا أكرر أنني أخشى أننا في جميع هذه الأعمال لا نهدف إلا إلى صالحنا؛ اعتقادا منا بأننا عبرها نتطهر من آثامنا وننال الخلاص.
لكن يرجح أن الكثيرين حسبوا رغم هذه التحذيرات المتكررة بعدم إهمال إخواننا في الإنسانية أن «الأعمال الصالحة لا تستأهل الثواب، ومن ثم لا داعي لعمل الصالحات من أي نوع».
لا شك أن لوثر والوعاظ الذين حاولوا إقناع عوام الناس بغير ذلك لم يهدفوا إلى دفعهم لإهمال الكنيسة أو الأعمال الخيرية، فمع أن الأنشطة الدينية لم تعد تستأهل الثواب وانتقصت أهميتها، احتاج البروتستانتيون لتغذية الإيمان في القلوب إلى مصادر دينية، كالعظات والترانيم والقرابين المقدسة وملخصات العقيدة والصلوات الموجهة لله، والإلمام بالكتاب المقدس، ومن هنا شرع لوثر وزملاؤه في توفير ذلك، فأصبحت العظات الطويلة حول النص المقدس - عوضا عن العظات القصيرة - هي محور العبادة البروتستانتية، حتى في الكنائس اللوثرية والأنجليكانية التي تبنت نسخا معدلة من طقوس العبادة التاريخية. فاستخدمت جميع المذاهب البروتستانتية المزامير والترانيم لإثراء عبادتها وللتعبير عن تقواها. ووفقا لكريستوفر براون كان أكثر المظاهر إفصاحا عن نجاح حركة الإصلاح الديني في بلدة يوخيمستال الألمانية هو إنشاد الترانيم اللوثرية في المنازل. وبعض الترانيم كانت أدوات لتلخيص العقيدة، فكانت ترنيمة الإصلاحي بول شبيراتوس «أتانا الخلاص» ملخصا للتعاليم البروتستانتية. وقد عبرت كاثارينا شوتس زيل عام 1534 عن أهمية الموسيقى في مقدمة طبعتها عن كتاب أناشيد استخدمته الأخوية البوهيمية قائلة: «علي بشدة أن أصف هذا الكتاب بأنه كتاب تعاليم وصلوات وتسابيح، لا كتاب أناشيد، رغم أن كلمة «أناشيد» البسيطة جيدة ومناسبة، فأعظم مديح للرب عبر عنه في الأناشيد.» لتعليم الناس المسيحية الجديدة، نشر لوثر عام 1529 ملخصات عقائدية صغيرة وكبيرة استخدمت في النهاية للإرشاد في أغلب الأبرشيات البروتستانتية، مع أنه شجع رعاة تلك الأبرشيات على كتابة الملخصات العقائدية لأبرشياتهم بأنفسهم، وشملت ملخصاته شروحا لثلاثة نصوص موروثة؛ هي الوصايا العشر وقوانين الإيمان والصلاة الربية، غير أن هذه النصوص أوضحت أيضا الشكل الجديد الذي اتخذته شعائر القرابين المقدسة التي أدخلت على الكنائس البروتستانتية.
أوضح لوثر في رسالة كتبها عام 1520 بعنوان «السبي البابلي للكنيسة» أن الأسرار المقدسة السبعة لكنيسة أواخر العصور الوسطى، يجب أن ينخفض عددها إلى ثلاثة؛ هي العماد، والعشاء الرباني، والكفارة. وأسمى السر الأخير من هذه الأسرار بسر الاعتراف والإبراء؛ فالأسرار المقدسة في عرفه يجب أن يأمر بها الكتاب المقدس، وأن تتصل بوعد روحاني وعنصر مادي يرى ويسمع بوضوح عند أدائها. كما رأى لوثر أن العماد والعشاء الرباني وحدهما يفيان بلا شك بهذه الشروط؛ فالماء يستخدم في العماد، ويتم تناول الخمر والخبز في العشاء الرباني، أما الاعتراف والإبراء فلم يدخل فيه عنصر مادي؛ ومن ثم في غضون وقت قصير لم يعد من أسرار الكنيسة - لا سيما أنه لم يكن له دور سوى تجديد وعد الغفران والخلاص الأبدي الذي يمنح في العماد. كان طقس الكفارة قد أصبح في العصور الوسطى أهم طقوس الأسرار المقدسة؛ لأن العماد لم يمثل إلا بداية حياة المسيحي، وما أن ترتكب الخطيئة بعد العماد يجب أن يعترف بها المؤمن وأن تغتفر وأن يعوض عنها بكفارة يحددها القس. أبقى لوثر في مذهبه على الاعترافات العلنية ولم يرفض الاعترافات الخاصة، لكنه منع الكفارة لأنها دعمت طقس استحقاق الثواب؛ فالآثمون التائبون لا يغفر لهم تماما إلا بدفع ما يدينون به لخطيئتهم عبر الكفارة التي يحددها القس، أو بالحصول على صكوك الغفران التي تبرئهم من الإثم، في حين رأى لوثر أن الإبراء من الخطايا سواء سرا أو علنا يسري فورا؛ لأن الغفران غير المشروط كفله العماد؛ إذ إن الوعد بالغفران والخلاص الذي يمنح في العماد يسري إلى الأبد، ويصبح عماد حياة المسيحي أيا كان عمر من يعمد، ولهذا السبب أبقى لوثر على عماد الأطفال وعده أهم الأسرار المقدسة.
رفض لوثر تفسير العصور الوسطى للعشاء الرباني، بكل ما ينطوي عليه من تداعيات، على أنه شبه تجديد لتضحية المسيح على الصليب لغفران الخطايا، وكان يبغض الممارسات التي تسيء إلى هذه المناسبة، كالإكثار من صلوات القداس التي أباحها هذا التفسير. كان من السهل عد صلاة القداس - بوصفها قربانا مقدسا يتوجه به القس إلى الرب - عملا صالحا إعجازيا، يمكنه أن يثيب العامة الذين يشاهدون أداء القداس أو يدفعون المال للقساوسة لتلاوة صلاة القداس بانتظام لهم ولأحبائهم بعد موتهم، فالبعض حسب أنه سيجمع ثوابا أكبر كلما حضر المزيد من صلوات القداس في يوم محدد، وقيل لآخرين إن العمر لا يتقدم بهم في الوقت الذي يمضونه في صلوات القداس.
أما لوثر فرأى أن العشاء الرباني (الذي يدعى أيضا بالقداس والقربان المقدس والعشاء الإلهي) ليس قربانيا بل مقدسا؛ أي إنه ليس طقسا لتقديم القرابين إلى الله، بل هو هبة الله إلى متلقي هبته، وقد أسسه المسيح في العشاء الأخير، وعفا فيه باستمرار عن الخطايا بتجديد وعد المعمودية بالخلاص وتعزيز الإيمان. وللتأكيد على أنه هبة من الله أدخل لوثر وغيره من البروتستانتيين تغييرات جذرية على أسلوب الاحتفال به؛ فأولا: كانت الصلاة تتلى باللغة العامية لا اللغة اللاتينية. وثانيا: حلت كلمات المسيح البسيطة (كلمات التأسيس) في العشاء الأخير محل الصلوات الطويلة التي صاحبت تقديم القرابين، عندما قال: «هذا الخبز هو جسدي الذي يبذل عنكم، وهذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عن الناس أجمعين لمغفرة الخطايا.» وثالثا: بناء على هذه الكلمات لم يقتصر تقديم الخمر على القسيسين فقط، ولكنه قدم بعد الخبز للحاضرين من العامة، وكان منح الخبز والخمر (كليهما) هو أكثر التغييرات تحريكا لمشاعر بعض العامة الذين تناولوا كأس الخمر التي لم يلمسوها من قبل بأيد مرتعشة، ولم يعد القداس عرضا يشاهد، بل وجبة تتلقاها الأرواح المشتاقة لها بالتوبة والشكر والسرور؛ ومن ثم لم يكن من المتوقع أن يحصل الجميع المشاركون في القداس على الأسرار المقدسة، ليس في الكنائس اللوثرية على الأقل. فكان طقس الاعتراف والإبراء - سواء العلني أو السري - يسبق في العادة العشاء الرباني، ولا يشارك في وجبة الأسرار المقدسة إلا من يودون الحصول عليها. ولم يعد تلقي الأسرار المقدسة فرضا كما كان منذ مجمع اللاتيران الرابع (الذي عقد عام 1215)، بل صار عطية إلهية تسكن الضمائر ولا تثقلها بعبء، كما لم يعد طقسا رسميا. كتب لوثر هذا قائلا: «إن كان المرء يصبح مسيحيا لمجرد أنه تلقى الأسرار المقدسة (الخمر والخبز معا)، فلن يكون هناك ما هو أبسط من التحول إلى المسيحية، فيصبح حتى ممكنا أن يوسم خنزير بأنه مسيحي.» أكل الخبز وشرب الخمر لا يكفيان لذلك، بل يجب أن يستمع متلقو الخمر والخبز بعناية إلى وعد الغفران، وأن يؤمنوا به بقلب يملؤه الامتنان.
كانت رسالة «طقس القداس والعشاء الرباني» التي صدرت عام 1523 هي أولى مراجعات لوثر لطقوس القداس، ومثلت نقلة في سياساته. كان قد استعان إلى تلك النقطة بالكتب والعظات فقط للدعوة للعدول عن «الآراء المشينة للدين» فيما يتصل بالعبادات، أما سياسته الجديدة فلم تهدف إلى التأثير في القلوب بالكلمات وحسب، بل إلى إعمال الأيدي وتحقيق نتائح ملموسة، فنشر عام 1526 طقوسا أخرى للقداس - بالألمانية تماما هذه المرة - وأعد طقوسا دينية أخرى للعماد والزواج ولمناسبات أخرى، كما ترجم وألف أكثر من 35 ترنيمة، أشهرها هي ترنيمة «الرب قلعتنا الحصينة».
ظهرت أولى النسخ التي ما تزال قائمة إلى اليوم لترنيمة «الرب قلعتنا الحصينة» مطبوعة في عام 1531، إلا أن تاريخ كتابتها قد يرجع إلى عام 1528. قامت هذه الترنيمة على المزمور السادس والأربعين من سفر المزامير، واقترحت العديد من المناسبات في تفسير الدافع إلى تأليفها؛ كالتهديد التركي، وبناء الحصون في أرجاء فيتنبرج المختلفة، وتفشي وباء في هذا الإقليم، ووفاة ابنة لوثر إليزابيث. ونشر ترنيمة جديدة في عام 1529، وتوفرت لهذه الترنيمة بحلول عام 1900 ما يزيد عن 80 ترجمة ب 53 لغة، ويمكن اليوم إنشادها بمائتي لغة، أما ترنيمة «بعيدا في الإسطبل» الخاصة بعيد الميلاد، والتي تنسب كثيرا إلى لوثر، فقد ظهرت للمرة الأولى في أمريكا في القرن التاسع عشر.
نامعلوم صفحہ