وَاعْلَم أَن الْخلاف الَّذِي فِي ضبط هَذِه الْأَسْمَاء إِنَّمَا عرض فِي مخارج الْحُرُوف فَإِن هَذِه الْأَسْمَاء إِنَّمَا أَخذهَا الْعَرَب من أهل التَّوْرَاة ومخارج الْحُرُوف فِي لغتهم غير مخارجها فِي لُغَة الْعَرَب فَإِذا وَقع الْحَرْف متوسطا بَين حرفين من لُغَة الْعَرَب فَتَردهُ الْعَرَب تَارَة إِلَى هَذَا وَتارَة إِلَى هَذَا وَكَذَلِكَ إشباع الحركات فد تحذفه الْعَرَب إِذا نقلت كَلَام الْعَجم فَمن هَهُنَا اخْتلف الضَّبْط فِي هَذِه الْأَسْمَاء
وَاعْلَم أَن الْفرس والهند لَا يعْرفُونَ الطوفان وَبَعض الْفرس يَقُولُونَ كَانَ بِبَابِل فَقَط وَأَن آدم هُوَ كيومرت وَهُوَ نِهَايَة نسبهم فِيمَا يَزْعمُونَ وَأَن افريدون الْملك فِي آبَائِهِم هُوَ نوح وَأَنه بعث لازدهاق وَهُوَ الضَّحَّاك فلبسه الْملك وَقَبله كَمَا ذَكرُوهُ فِي أخبارهم وَقد تترجح صِحَة هَذِه الْأَنْسَاب من التَّوْرَاة وَكَذَلِكَ قصَص الْأَنْبِيَاء الأقدمين إِذْ أخذت عَن مُسْلِمِي يهود أَو من نسخ صَحِيحَة من التَّوْرَاة ويغلب على الظَّن صِحَّتهَا وَقد وَقعت الْعِنَايَة فِي التَّوْرَاة بِنسَب مُوسَى ﵇ وَإِسْرَائِيل وشعوب الأسباط وَنسب مَا بَينهم وَبَين آدم صلوَات الله عَلَيْهِ وَالنّسب والقصص أَمر لَا يدْخلهُ النّسخ فَلم يبْق تحري النّسخ الصَّحِيحَة وَالنَّقْل الْمُعْتَبر
وَأما مَا يُقَال من أَن علماءهم بدلُوا مَوَاضِع من التَّوْرَاة بِحَسب أغراضهم فِي ديانتهم فقد قَالَ ابْن عَبَّاس على مَا نقل عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن ذَلِك بعيد وَقَالَ معَاذ الله أَن تعمد أمة من الْأُمَم إِلَى كتابها الْمنزل على نبيها فتبدله أَو مَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَإِنَّمَا بدلوه وحرفوه بالتأويل وَيشْهد لذَلِك قَوْله تَعَالَى ﴿وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله﴾ وَلَو بدلُوا من التَّوْرَاة ألفاظها لم يكن عِنْدهم التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا حكم الله وَمَا وَقع فِي الْقُرْآن الْكَرِيم من نِسْبَة التحريف والتبديل فِيهَا إِلَيْهِم فَإِنَّمَا الْمَعْنى بِهِ التَّأْوِيل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يطرقها التبديل فِي الْكَلِمَات على طَرِيق الْغَفْلَة وَعدم الضَّبْط وتحريف من لَا يحسن الْكِتَابَة بنسخها فَذَلِك يُمكن فِي الْعَادة ولاسيما وملكهم قد ذهب وجماعتهم انتشرت فِي الْآفَاق واستوى الضَّابِط مِنْهُم وَغير الضَّابِط والعالم وَالْجَاهِل وَلم يكن وازع
1 / 71