وبهت ياسر، فقد كان الحديث بينه وبين صفوت ولم يكن أحد حاضرا. فكيف عرف؟! لعل الموظفين أخبروه أن ياسر يذهب إلى المكتب يوميا، ولكن هذا لم يستمر إلا بضعة أيام قليلة، وهو لم يباشر أي عمل. ولم يدرك ياسر أن متولي استنتج وحده أن يعرض صفوت على زوج ابنته أن يعمل معه، وقال في نفسه ألقي بها ولعلها تصيب فأصابت، وسترت عليه ما أراد أن يخفيه عن ياسر الآن، وما لعله يخبره به بعد ذلك إذا احتاج الأمر. وقال ياسر: من أخبرك؟ - لست أنت المقصود بالعمل. إنه يريدك أن تعمل؛ لأن أخاك وكيل نيابة، ولأن أباك مستشار سابق، وكل الذين يعملون في القضاء يعرفونه ويراعون خاطره.
وصمت ياسر قليلا. ثم قال: المهم ، اقبل هذا المبلغ الآن.
وأطرق متولي. وقد أدرك أن صفوت يريد أن يؤمن نفسه ويريد فسحة من الوقت ليقتله. وكان متولي أيضا في حاجة إلى هذه الفسحة من الوقت لينفذ تدبيره الذي أحكمه. وقال متولي: وما له، أقبله. - وتقوم معي إلى صفوت بك. - وأقوم معك إلى صفوت بك.
ورأى ياسر عجبا.
صفوت يلقف متولي ويحتضنه وهو يصيح به ضاحكا في فرح: وهل تستغني عني عمرك يا ابن الكلب؟
ويقهقه متولي وهو يحتضن صفوت: خدامك طول عمري. وهل أستغني عن تراب رجليك؟
ثم رأى ياسر ما هو أعجب. دمعات من عين صفوت صافحتها دمعات من عين متولي. كم هو ضئيل شأن الممثلين على خشبات المسارح وفي السينما والتليفزيون بجانب هؤلاء الممثلين على مسرح المال.
الفصل الخامس عشر
حين تفاوض رئيس النيابة ووجدان الرأي فيما رواه له وجدان عن مكالمة متولي، انتهى الرأي بينهما أنهما لا يملكان إزاءها إلا الصمت بعد إبلاغ الأمن العام، ليكون متولي تحت المراقبة، وقد أبلغ رئيس النيابة الجهات المختصة وانتهى الأمر في النيابة عند ذلك.
ولم تكن مفاجأة لوجدان أن يزوره ياسر في البيت بعد يومين من مكالمة متولي لوجدان. وحاول ياسر أن يفتح الحديث، فكان رد وجدان حاسما ومريرا. - أرجوك أبعدني عن هذا المستنقع الذي يسبح فيه حموك وموظفوه. ويكفيني خجلي أمام كل من يعرف صلتي به. - هل الخلاف مع الضرائب يدعو إلى هذا الكلام الجارح؟ - أنت تعرف ما يدعو إلى هذا الكلام الذي يعبر بعض التعبير عما أنا فيه. وربما يكفيك أن تعلم أنني فكرت في الاستقالة. وأنا متمسك بالنيابة لأنها المرفأ الوحيد لي من حياة مثل حياتك وحياة جيلي. فلا مرفأ لي من هذه الحياة إلا بأن أحاكم الحياة. - أنت تبالغ. - أنا شخص لا أريد شيئا إلا أن يكون اسمي واسم أسرتي سليما من كل ما يشين. وكنت أعتقد أن هذا مطلب يسير على الحياة أن تحققه لي ما دمت أنا لا أرتكب إثما وما دام أبي خرج على المعاش شريفا. وما دمت أنت حتى قبل زواجك في حالة مالية تستطيع أن تفي بحاجاتك المشروعة مع البحبوحة في العيش وبالطبع دون كباريهات. ولكن الحياة ترفض أن أنال هذا المطلب. وتصر على أن أتعرض لأشياء لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن أتعرض لها. - ما كل هذا يا وجدان؟ أمن أجل مكالمة تليفونية كان يمكن أن تأتيك من أي إنسان تغضب كل هذا الغضب؟! - إذا جاءتني من أي إنسان ما اهتممت لحظة؛ فوظيفتي هي أن أتلقى البلاغات، أما أن يلجأ إلي موظف عند حميك ليطلب مني أن أشاركه في جريمة ابتزاز فهذا هو ما يحزنني، وأكرر لك أن هذا هو ما جعلني أفكر في الاستقالة. وأعرف بعد ذلك أن متولي كلمني ليحمي نفسه من القتل. فحموك إذن قاتل أيضا. - وما ذنب نسيبي إن متولي كلمك؟ - إنها ليست جريمة واحدة التي رواها متولي لي دون أن يشعر. إنها سلسلة جرائم، حياة أخرى غير الحياة التي أتصور أن يعيشها أخي. عالم أعرفه كوكيل نيابة ولا أتصور أنني عضو في أسرته. ياسر، اعمل معروف في ولنبتعد عن هذا الحديث. أصبح الكلام الآن لا داعي له، فقد أصبحت أبا لطفل من هذه الأسرة والحديث الآن لن يفيد شيئا إلا أن يزيدني ألما ويجعلني أقول لك عن حميك ما أعتقد أنه شديد عليك. وهو الآن جد ابنك. - على كل حال نحن سوينا الموضوع. - لا أعتقد أنكم سويتم شيئا. - فعلا والله، الأمر انتهى. - هيهات! إن ما سمعته في التليفون يجعلني واثقا أن هذا الأمر لن ينتهي إلا بمصيبة كبرى. - يا راجل لا قدر الله. - أرجو ألا يقدر الله. ولكنني واثق أنه قدر فعلا وستريك الأيام أنني على حق. •••
نامعلوم صفحہ