بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلى على محمد وال محمد
صفحہ 4
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتجلي لعباده من أفق الألباب، المجلى عن مراده بمنطق السنة والكتاب، الذي نزه أوليائه عن دار الغرور، وسما بهم إلى أنوار السرور، ولم يفعل ذلك بهم محاباة لهم على الخلائق، ولا إلجاء لهم إلى جميل الطرائق، بل عرف منهم قبولا للألطاف، واستحقاقا لمحاسن الأوصاف، فلم يرض لهم التعلق بحبال الإهمال، بل وفقهم للتخلق بكمال الأعمال، حتى فرغت نفوسهم عمن سواه، وعرفت أرواحهم شرف رضاه، فصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظله، وعطفوا آمالهم نحو كرمه وفضله، فترى لديهم فرحة المصدق بدار بقائه، وتنظر إليهم مسحة المشفق من أخطار لقائه، ولا تزال أشواقهم متضاعفة إلى ما قرب من مراده، وأريحيتهم مترادفة نحو إصداره وإيراده، وأسماعهم مصغية إلى
صفحہ 5
إستماع أسراره وقلوبهم مستبشرة بحلاوة تذكاره، فحياهم منه بقدر ذلك التصديق، وحباهم من لدنه حباء البر الشفيق، فما أصغر عندهم كل ما أشغل عن جلاله، وما أتركهم لكل ما باعد من وصاله، حتى أنهم يتمتعون بأنس ذلك الكرم والكمال، ويكسوهم أبدا حلل المهابة والجلال، فإذا عرفوا أن حياتهم مانعة عن متابعة مرامه، وبقائهم حائل بينهم وبين إكرامه، خلعوا أثواب البقاء، وقرعوا أبواب اللقاء، وتلذذوا في طلب ذلك النجاح، ببذل النفوس والأرواح، وعرضوها لخطر السيوف والرماح، والى ذلك التشريف الموصوف سمت نفوس أهل الطفوف، حتى تنافسوا في التقدم إلى الحتوف، وأضحوا نهب الرماح والسيوف، فما أخصهم بوصف السيد المرتضى علم الهدى، رضوا الله عليه وقد مدح من أشرنا إليه فقال:
نفوس على الرمضاء مهملة * وأنفس في جوار الله يقربها كأن قاصدها بالضر نافعها * وإن قاتلها بالسيف محييها ولولا امتثال أمر السنة والكتاب، في لبس شعار الجزع والمصاب، لأجل ما طمس من اعلام الهداية، وأسس من أركان الغواية، وتأسفا على ما فاتنا من السعادة، وتلفها على امتثال تلك الشهادة، وإلا كنا قد
صفحہ 6
لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرة والبشرى.
وحيث في الجزع رضا لسلطان المعاد وغرض لأبرار العباد، فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع وأنسنا بإرسال الدموع. وقلنا للعيون جودي بتواتر البكاء وللقلوب جدي جدثوا كل النساء، فإن ودائع الرسول صلى عليه واله وسلم الرؤوف أبيحت يوم الطفوف، ورسوم وصيته بحرمه وأبنائه طمست بأيدي أممه وأعدائه. فيالله من تلك الفوادح المقرحة للقلوب، والجرائح المصرخة بالكروب، والمصائب المصغرة لكل بلوى، والنوائب المفرقة شمل التقوى والسهام التي أراقت دم الرسالة والأيدي التي ساقت سبى الجلالة والرزية التي نكست رؤوس الأبدال والبلية التي سلبت نفوس خير الآل، والشماتة التي ركست أسود الرجال، والفجيعة التي بلغ رزؤها إلى جبرائيل، والفظيعة التي عظمت على الرب الجليل.
وكيف لا يكون ذلك وقد أصبح لحم رسوله مجردا على الرمال، ودمه الشريف مسفوكا بسيوف أهل الضلال، ووجوه بناته مبذولة لعين السائق والشامت، وسلبهن بمنظر من الناطق والصامت، وتلك الأبدان المعظمة عارية من الثياب، والأجساد المكرمة جاثية على التراب.
صفحہ 7
مصائب بددت شمل النبي ففي * قلب الهدى أسهم يطفن بالتلف وناعيات إذا ما مل من وله * سرت عليه بنار الحزن والأسف فيا ليت فاطمة وأبيها عينا تنظر إلى بناتها، وبنيها ما بين مسلوب وجريح ومسحوب وذبيح، وبنات النبوة مشققات الجيوب، ومفجوعات بفقد المحبوب، وناشرات للشعور، وبارزات من الخدور، ولاطمات للخدود، وعادمات للجدود، ومبديات للنياحة والعويل، وفاقدات للمحامي والكفيل، فيا أهل البصائر من الأنام، ويا ذوي النواظر والأفهام، حدثوا أنفسكم بمصارع هاتيك العترة، ونوحوا بالله لتلك الوحدة والكثرة، وساعدوهم بموالاة الوجد والعبرة، وتأسفوا على فوات تلك النصرة، فإن نفوس أولئك الأقوام، ودائع سلطان الأنام، وثمرة فؤاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقرة عين البتول، ومن كان يرشف بفمه الشريف ثنايا هم ويفضل على أمه أمهم وأباهم.
إن كنت في شك فسل عن حالهم * سنن الرسول ومحكم التنزيل فهناك أعدل شاهد لذوي الحجى * وبيان فضلهم على التفصيل ووصية سبقت لأحمد فيهم * جاءت إليه على يدي جبريل فيكف طاب للنفوس مع تدانى الأزمان، مقابلة احسان أبيهم بالكفران وتكدير عيشه بتعذيب ثمرة فؤاده،
صفحہ 8
وتصغير قدره بإراقة دماء أولاده، وأين موضع القبول لوصاياه بعترته وآله. وما الجواب عند لقائه وسؤاله. وقد هدم القوم ما بناه. ونادى الإسلام وا كرباه. فيا لله من قلب لا ينصدع لتذكار تلك الأمور. ويا عجباه من غفلة أهل الدهور. وما عذر أهل الإسلام والايمان. في إضاعة أقسام الأحزان. ألم يعلموا أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم موتور وجيع. وحبيبه مقهور صريع. والملائكة يعزونه على جليل مصابه. والأنبياء يشاركونه في أحزانه وأوصابه. فيا أهل الوفاء لخاتم الأنبياء علام لا تواسونه في البكاء، بالله عليك أيها المحب لوالد الزهراء، نح معها على المنبوذين بالعراء، وجد ويحك بالدموع السجام. وابك على ملوك الإسلام، لعلك تحوز ثواب المواسي في المصاب، وتفوز وبالسعادة يوم الحساب.
فقد روى عن مولانا الباقر عليه السلام أنه قال كان زين العابدين عليه السلام يقول أيما مؤمن زرفت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله غرفا في الجنة يسكنها أحقابا وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بواه الله منزل صدق وأيما مؤمن مسه أذى فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار.
صفحہ 9
وروى مولانا الصادق عليه السلام انه قال:
من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وروى أيضا عن آل الرسول عليهم السلم أنهم قالوا من بكى أو أبكى فينا مائة ضمنا له على الله الجنة، ومن بكى أو أبكى خمسين فله الجنة، ومن بكى أو أبكى ثلاثين فله الجنة، ومن بكى أو أبكى عشرة فله الجنة، ومن بكى أو أبكى واحدا فله الجنة ومن تباكى فله الجنة قال علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسيني جامع هذا الكتاب. إن من أجل البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب، إنني لما جمعت كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر، ورأيته قد إحتوى على أقطار محاسن الزيارات، ومختار أعمال تلك الأوقات فحامله مستغن عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف، أو حمل مزار كبير أو لطيف. أحببت أيضا أن يكون حامله مستغنيا عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين عليه السلام فوضعت هذا الكتاب ليضم إليه وقد جمعت هاهنا ما يصلح لضيق وقت الزوار وعدلت عن الإطالة والاكثار وفيه غنية لفتح أبواب الأشجان وبغية لنجح
صفحہ 10
أرباب الإيمان فإننا وضعنا في أجساد مغناه روح ما يليق بمعناه وقد ترجمته بكتاب اللهوف على قتلى الطفوف ووضعته على ثلاث مسالك مستعينا بالرؤوف المالك.
صفحہ 11
المسلك الأول في الأمور المتقدمة على القتال ولادة الإمام الحسين (ع) كان مولد الحسين عليه السلام لخمس ليال خلون من شعبان أرب من الهجرة وقيل اليوم الثالث منه وقيل في أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاثة من الهجرة.
وروى غير ذلك ولما ولد هبط جبرائيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادته وجاءت به فاطمة عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسر به وسماه حسينا.
قال ابن عباس: في الطبقات أنبأنا عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي قال: أنبأنا حاتم بن صنعة قال قالت أم الفضل زوجة العباس رضوان الله عليه، رأيت في منامي قبل مولده كأن قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعت فوضعت في حجري ففسرت ذلك على رسول
صفحہ 12
الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا أم الفضل رأيت خيرا إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه.
قالت: فجرى الأمر على ذلك فجئت به يوما إليه فوضعته في حجره فبينما هو يقبله فبال فقطرت من بوله قطرة على ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقر صته فبكى، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالمغضب مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني، قالت: فتركته في حجره وقمت لآتيه بماء فجئت فوجدته صلى الله عليه وآله وسلم يبكى، فقلت: مم بكائك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن جبرائيل أتاني فأخبرني إن أمتي تقتل ولدى هذا لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.
قال رواة الحديث. فلما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر ملكا أحد هم على صورة الأسد، والثاني على صورة الثور، والثالث على صورة التنين، والرابع على صورة ولد آدم، والثمانية الباقون على صور شتى محمرة وجوههم باكية عيونهم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون، يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سينزل بولدك الحسين عليه السلام ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطي مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم يبق في السماوات ملك مقرب إلا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل يقرئه السلام ويعزيه
صفحہ 13
في الحسين عليه السلام ويخبره بثواب ما يعطى ويعرض عليه تربته والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم اخذل من خذله واقتل من قتله ولا تمتعه بما طلبه.
قال فلما أتى على الحسين عليه السلام من مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر له فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه فسئل عن ذلك. فقال: هذا جبرائيل عليه السلام يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء يقتل عليها ولدي الحسين ابن فاطمة عليه السلام فقيل له: من يقتله يا رسول الله؟ فقال: رجل اسمه يزيد لعنه الله وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه، ثم رجع من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: (اللهم إن محمدا عبدك ونبيك وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي.
وأرومتي ومن أخلفهما في أمتي وقد أخبرني جبرائيل عليه السلام أن ولدي هذا مقتول مخذول. اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.) قال: فضج الناس في المسجد بالبكاء والنحيب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتبكونه ولا
صفحہ 14
تنصرونه ثم رجع صلى الله عليه وآله وسلم وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة أخرى موجزة وعينا تنهملان دموعا، ثم قال: (أيها الناس إني قد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ألا وإني انتظر هما وإني لا أسئلكم في ذلك إلا ما أمرني ربى، أمرني ربى أن أسئلكم المودة في القربى فانظروا كيف تلقوني غدا على الحوص وقد أبغضتم عترتي وظلمتوهم ألا وإنه سترد على يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة.
الأولى: سوداء مظلمة قد فزعت له الملائكة فتقف على فأقول: من أنتم؟ فينسون ذكرى، ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم: أنا أحمد بنى العرب والعجم فيقولون: نحن من أمتك يا أحمد فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربى؟ فيقولون: أما الكتاب فضيعناه وأما عترتك فحرصنا على أن نبيد هم عن آخر هم عن جديد الأرض فأولى عنهم وجهي فيصدرون ظما عطاشا مسودة وجوههم.
ثم ترد على راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول
صفحہ 15
لهم: كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر كتاب ربى وعترتي؟ فيقولون: أما الأكبر فخالفنا وأما الأصغر فخذلنا هم ومزقنا هم كل ممزق فأقول: إليكم عنى:
فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم.
ثم برد على راية أخرى تلمع وجوههم نورا فأقول لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى نحن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بقية أهل الحق حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنصرنا هم من كل ما نصرنا منه أنفسنا وقاتلنا معهم من ناواهم فأقول لهم: إبشروا فأنا نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ثم أسقيهم من حوض فيصدرون مرويين مستبشرين ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين.
أخذ بيعة الحسين عليه السلام ليزيد.
قال وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه السلام وسيتعظمونه ويرتقبون قدومه فلما توفى معاوية بن أبي سفيان (لع) وذلك في رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة وكان أمير المدينة يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة وخاصة على الحسين عليه السلام ويقول له إن أبى عليك فاضرب عنقه وأبعث إلى برأسه فاحضر الوليد
صفحہ 16
المروان واستشاره في أمر الحسين عليه السلام فقال إنه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد ليتني لم أك شيئا مذكورا ثم بعث إلى الحسين عليه السلام فجائه في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه فنعى الوليد إليه موت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد، فقال: أيها الأمير إن البيعة لا تكون سرا ولكن إذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم، فقال مروان: لا تقبل أيها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويل لك يا بن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت والله ولؤمت ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم الله ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة.
ثم خرج عليه السلام فقال مروان للوليد عصيتني! فقال:
ويحك إنك أشرت إلى بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وإنني قتلت حسينا والله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين عليه السلام إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
صفحہ 17
قال: وأصبح الحسين عليه السلام فخرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان فقال له: يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام وما ذاك قل حتى أسمع! فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك. فقال الحسين عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الخلافة محرمة على أبى سفيان وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب: والذي تحققناه أن الحسين عليه السلام كان عالما بما إنتهت حاله إليه وكان تكليفه ما اعتمد عليه.
أخبرني جماعة وقد ذكرت أسمائهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى بإسنادهم إلى أبى جعفر محمد بن بابويه القمي فيما ذكر في أماليه بإسناده إلى المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام دخل يوما على الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكى.
صفحہ 18
فقال: ما يبكيك؟ قال: أبكى لما يصنع بك. فقال الحسن عليه السلام إن الذي يؤتى إلى سم يدس إلى فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله عليه السلام يزدلف إليك ثلاثون الف رجل يدعون إنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون الاسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبى ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك فعندها يحل الله ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دما ورمادا ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش والحيتان في البحار.
وحدثني جماعة منهم من أشرت إليه بإسنادهم إلى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جده محمد بن عمر قال:
سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل قال: لما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلت عليه فوجدته خاليا فقلت له: جعلت فداك يا أبا عبد الله، حدثني أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه عليهما السلام ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي فضمني إليه وقال: (حدثك انى مقتول فقلت:
حوشيت يا بن رسول الله، فقال: (سألتك بحق أبيك بقتلى خبرك فقلت: نعم فلولا ناولت وبايعت، فقال:
صفحہ 19
حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بقتله وقتلى وأن تربتي تكون بقرب تربته فتظن إنك علمت ما لم أعلمه وإنه لا أعطى الدنيا عن نفسي أبدا ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها.
أقول ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوما بقتل أنفسهم فقال تعالى: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم). ولعله يعتقد أن معنى قوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) انه هو القتل وليس الأمر كذلك وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة ولقد ذكر صاحب المقتل المروى عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية من ما يليق بالعقل، فروى عن أسلم قال: غزونا نهاوند وقال غيرها واصطفينا والعدو صفين أر أطول منهما ولا أعرض والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم فحمل رجل منا على العدو فقال الناس: لا إله إلا الله ألقى نفسه إلى التهلكة. فقال أبو أيوب الأنصاري إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة، وليس كذلك
صفحہ 20
إنما نزلت هذه الآية فينا لأنا كنا قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها فقد ضاعت بتشاغلنا عنها فأنزل الله أنكال لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاح أموالنا (ولا تلقوا بأيد بكم إلى التهلكة) معناه إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم.
وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة وتحريض لنا على الغزو وما أنزلت هذه الآية في رجل حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب الآخرة.
أقول: وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب وسيأتي ما يكشف عن هذه الأسباب.
قال رواة حديث الحسين عليه السلام مع الوليد بن عتبة ومروان فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة قال: وجاء عبد الله بن عباس رضوان الله عليه وعبد الله بن الزبير فأشارا إليه بالامساك. فقال لهما ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرني بأمر
صفحہ 21
وأنا ماض فيه. قال: فخرج ابن عباس وهو يقول وا حسيناه.
ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار إليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال فقال له: يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدى إلى بغى من بغايا بني إسرائيل أما تعلم إن بني إسرائيل كانوا يقتلوا ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أمهلهم وأخذ هم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي.
قال: وسمع أهل الكوفة بوصول الحسين عليه السلام إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فلما تكاملوا قام سليمان بن صرد فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته: يا معشر الشيعة إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن كنتم تعلمون إنكم
صفحہ 22
ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قال فكتبوا إليه.
كتب أهل الكوفة للحسين (ع).
قال: فكتبوا (بسم الله الرحمن الرحيم)..
للحسين بن علي أمير المؤمنين، من سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر، وعبد الله بن وائل، وشيعة من المؤمنين، سلام عليك.
أما بعد فالحمد الله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي ابتز هذه الأمة أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود ثم إنه ليس علينا إمام غيرك فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا نجمع معه في جمعة ولا جماعة ولا نخرج معه في عيد ولو قد بلغنا إنك أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يا بن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم]
صفحہ 23