لغز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
اصناف
وهذا يدل على أن عبادات الشرق القديم في تلك الفترة إنما كانت تنويعات على أرضية مشتركة. هذه الأرضية المشتركة هي ما نعنيه بمصطلح «الديانة المركزية».
وخلال العصر النيوليتي، نضجت في سوريا الرموز التشكيلية الخاصة بالأم الكبرى، وهي الرموز التي انتقلت معها بانتقال ديانتها النيوليتية إلى الأصقاع الأخرى. من تلك الرموز: الصليب المعكوف (السواستيكا) والصليب العادي، اللذان استمرا رمزين مقدسين في الديانات العشتارية والديانات الذكرية على السواء، وصولا إلى السيد المسيح وأمه مريم آخر أم كبرى في الديانات البشرية. وما زال الصليب المعكوف رمزا مقدسا لدى الهندوسية في الهند والبوذية في الشرق الأقصى، كما وجد في نقوش ورسوم الهنود الحمر في أمريكا. وليس صليب النازية إلا إحياء لتقليد قديم من تقاليد القبائل التوتونية التي تحدر منها الألمان . ومن الرموز الأولى الفأس المزدوج، رمز الصاعقة، الذي حفلت به بشكل خاص حضارة تل حلف، والذي سوف نراه في كثير من رسوم الأم الكبرى في حضارة كريت ومطلع الحضارة الإغريقية (الشكل
2-14 ).
شكل 2-5: الأم السورية الكبرى - شتال حيوك جنوب الأناضول.
شكل 2-6: صليب العصر النيوليتي، نقش على جدار جنوب الأناضول، الألف السادس قبل الميلاد.
وقد رسم الفنان النيوليتي مع مطلع الفخار هذه الرموز في وحدات زخرفية تجريدية، وبأسلوب فني ما زالت جماليته وقواعده سارية إلى يومنا هذا. فإذا كان فنان العصر الباليوليتي لم يعن قط بإبراز حيز استاتيكي يجمع في داخله عناصر متباينة في وحدة جمالية مترابطة وإيقاع منتظم، فإن الفنان النيوليتي، وابتداء من حضارة تل حلف وسامراء، قد ابتكر ولأول مرة العمل الفني الجيومتري المتكامل ذا الوحدات التجريدية المترابطة في كل موحد (الشكلان
2-8 ،
2-9 ).
شكل 2-7: صليب عصر الكتابة - من اليسار: بابل، مصر، إيران.
إلى جانب الرموز التجريدية؛ فقد ارتبطت بالأم الكبرى رموز حيوانية لا يخلو عمل تشكيلي من واحد منها؛ أهمها الحمامة، والأفعى، والثور. وسوف نلقي أضواء على هذه الرموز كل في حينه. ولقد انتقلت مجموعة الرموز هذه مع انتقال عبادة الأم النيوليتية إلى الثقافات الأخرى، فانتقلت أولا إلى كريت، ومن هناك نقلتها السفن عبر مضيق جبل طارق شمالا حتى الجزر البريطانية، وجنوبا على طول الشاطئ الأفريقي. ومن كريت أيضا إلى ميسينا وهي أول مدينة متحضرة على الأرض اليونانية. ومن ميسينا تخللت الثقافتين الإغريقية والرومانية. ومن الهلال الخصيب وصلت مجموعة الرموز هذه إلى مصر منذ مطلع الألف الرابع قبل الميلاد، كذلك اتجهت شرقا نحو آسيا وصولا إلى أقصى أصقاع المعمورة جنبا إلى جنب مع الديانة العشتارية.
نامعلوم صفحہ