184

لغز عشتار

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

اصناف

لم يكن انشطار عشتار إلى ذكر وأنثى بالفكرة الجديدة تماما على المعتقد الديني النيوليتي، فعشتار في طورها الأوروبوري البدئي كدارة مغلقة مكتملة، كانت تحتوي في صميمها على بذرة السالب والموجب، اللذين نشأ عن حركتهما الكون المتولد عن الأم الكبرى. وفي تجليها الثاني كأم للطبيعة المادية بشتى مظاهرها، بقيت عشتار تحمل في جوهرها بذرة الذكورة والأنوثة؛ لأن كمال الألوهة في جمع الضدين. فكانت الإلهة الواحدة أنثى كونية، وكانت في الوقت نفسه تنطوي في داخلها على بذرة الذكورة التي انفصلت فيما بعد، وأعطت الإله الابن الذي لم يكن في الواقع إلا القوة الإخصابية الذاتية للأم الكبرى معكوسة نحو الخارج. لذلك نجد إنسان الثقافة النيوليتية في الشرق القديم، يرسم إلهته الأم أحيانا في هيئة مؤنثة ومذكرة في آن معا. ففي الشكل رقم (

9-5 ) نجد تمثالا من موقع «تيب سراب» في سفوح زاغروس، شرقي بلاد الرافدين، يمثل الأم الكبرى في وضعية الجلوس وقد استعاضت عن ساقيها بقضيب ذكري كامل. أما الشكل رقم (

9-6 ) فنجد تمثالا للأم الكبرى من موقع تل الرماد بسوريا، يمثلها في هيئة ثنائية الجنس.

شكل 9-5: الأم الكبرى المخنثة - زاغروس، الألف السادس ق.م.

شكل 9-6: الأم الكبرى المخنثة - سوريا، تل الرماد، الألف السادس ق.م.

هذه العلاقة بين الأم العذراء التي ولدت ابنها دون نكاح، ثم تزوجته لتستعيد إلى ذاتها قوتها الإخصابية التي غدت مشخصة في الخارج، هي التي تفسر إشارة النصوص الأسطورية والطقسية فيما بعد إلى الإله الابن؛ ابن الأم الكبرى أحيانا، وزوجها أو حبيبها أحيانا أخرى. ورغم أن كل الآلهة الذكور في الثقافة الذكرية قد نشئوا عن الإله الابن ، ثم اتخذوا لأنفسهم شخصيات مستقلة، وارتفعوا نحو السماء ناكرين أصلهم الأرضي، إلا أن هذا الإله قد بقي ابنا لعشتار، محافظا على وضعه القديم كظل للأم الكبرى، مكمل لها، حامل جزءا من صفاتها وصلاحياتها. فهو «دوموزي» في سومر، و«تموز» في بابل، و«أدونيس» في سوريا، و«أوزوريس» في مصر، و«آتيس» في فرجيا وروما، و«ديونيسيوس» عند الإغريق. وكل هؤلاء يلعبون دورهم المزدوج كأبناء وأزواج. ففي نصوص بلاد الرافدين على سبيل المثال، نقرأ على لسان إنانا عددا من المزامير الموجهة لدوموزي الحبيب. تقول له في إحداها: «الحبيب التقى بي، فقضى مني وطرا وقضيت. وجاء بي إلى بيته فأضجعني على سرير العسل وقام بفعل الحب خمسين مرة ...»

3

في نصوص أخرى يشار إلى تموز على أنه الزوج، كما هو الحال في نص هبوط عشتار إلى العالم الأسفل، حيث نقرأ في آخر النص على لسان إريشكيجال: «أما زوجها الشاب، فخذوه واغسلوه بماء طهور وضمخوه بالعطور الطيبة ...» وفي ملحمة جلجامش كذلك، حيث نقرأ في خطاب جلجامش لعشتار: «على تموز زوجك الشاب قضيت بالبكاء عاما إثر عام ...» أما في بكائيات عشتار على تموز القتيل فيظهر تموز على أنه الإله الابن، حيث تصرخ عشتار ومعها الندابات: «ويلي يا دامو ... ويلي عليك يا بني ...»

4

وفي نص سومري عن إنانا النائحة على دموزي نقرأ:

نامعلوم صفحہ