لغز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
اصناف
قدس الإنسان الدافع الجنسي واعتبره قبسا إلهيا يربطه بالمستوى النوراني الأسمى؛ ففي الفعل الجنسي، يتجاوز الإنسان شرطه الزماني والمكاني ليدخل في حال هو أقرب ما يكون إلى الآن الأبدي، فينطلق من ذاته المعزولة ليتحد بقوة كونية تسري في الوجود الحي. يفتح مخزون الطاقة الحبيسة لترجع إلى مصدرها الذي منه شعت، وفي أجساد الأحياء أودعت. لم يكن الفعل الجنسي متعة فردية ونشاطا شخصيا معزولا، بل طقسا يربط الإنسان المتناهي بالملكوت اللامتناهي، عبادة يكرر فيها الفرد على المستوى الأصغر، ما قامت به القدرة الخالقة على المستوى الأكبر. ففي البدء تحرك السالب والموجب في رحم الأوروبوروس الأعظم وتناكحا فأنجبا، وفي البدء ولد من رحم المياه الأولى جبل السماء والأرض، وسرت بين قطبيه الرغبة فاتحدا وتباعدا ونشأ عنهما الكون. وفي البدء وقعت الريح في حب مبادئها، فكانت كتلة المادة الأولى، وفي البدء كان روح الإله المذكر يرف فوق المياه المؤنثة. وفي الأزمان الأولى خلقت عشتار من نفسها زوجها واتحدت به، وبقي نشاطها الجنسي الدائم يولد الطاقة التي لا غنى عنها لاستمرار شتى أشكال الحياة وتكاثرها.
تظهر الأعمال الفنية التشكيلية منذ العصور الحجرية قدسية الدافع الجنسي والقيمة الدينية للممارسة الجنسية؛ فمن العصر النطوفي الذي يعتبر مقدمة للعصر الحجري الحديث في سوريا الجنوبية، وصلتنا تماثيل صغيرة تعود للألف التاسع قبل الميلاد تمثل أزواجا متعانقة في أوضاع جنسية، وفي هذه التماثيل تعبير عن قيم جنسية دينية مرتبطة بمعتقدات ذلك العصر.
1
راجع الشكل (
6-1 ).
شكل 6-1: تماثيل جنسية من العصر النطوفي، 9000ق.م.
كما تظهر المعابد المكرسة للأم السورية الكبرى نظرة الإنسان القديم للجنس باعتباره فعلا دينيا مقدسا. فبعض هذه المعابد قد صمم بطريقة توحي بالعضو الجنسي للمرأة (الشكل
6-2 )، كما هو الحال في معابد تل العبيد وخفاجة وأوقير.
شكل 6-2: معابد الجنس في بلاد الرافدين.
وهذه المعابد الثلاثة، كغيرها من معابد بلاد الرافدين الأخرى التي بنيت عند أعتاب عصر الكتابة، كانت مكرسة للإلهة إنانا أو للإلهة ننخرساج، وهما من الأشكال الأولى للأم الكبرى للعصور التاريخية. وقد انتقل هذا التصميم الجنسي إلى الهند مع انتقال الزراعة إليها في وقت متأخر جدا عن اكتشافها في سوريا؛ حيث نجد الحرم الداخلي لهيكل الأم الكبرى على هيئة عضو التأنيث.
نامعلوم صفحہ