وهز عم حسن رأسه، وكان وجهه لا يزال محتقن الملامح في اكتئاب. •••
وكاد العسكري يغضب حين علم - من عم حسن نفسه - أن الرجل جاء، وأنه هذه المرة أنذره، ومضى قبل أن يستطيع أن يشير له أو يناديه. كيف يمضي قبل أن يستطيع؟ أهو كائن مسحور؟
إنه هكذا - مضى عم حسن يخبره - عمري ما رأيته قادما ولا عرفت كيف يغادرني.
عمرك - أفي المسألة أعمار؟
بالطبع - قالها عم حسن ببساطة .. فليست هذه أول مرة إنما دائما وراءه أنى يذهب ليسكن حتى يبدأ الآخرون يفدون ويقيمون العشش. ومن لحظتها يبدأ يأتي ولا يتركه حتى يذهب.
وللعسكري ألف حق حين أحس أن عم حسن يبالغ ليس إلا وأنه من امتداد حياته الطويلة بعيدا عن المشاكل يجعل من الرجل جنيها أحمر. ووصاه وألح عليه إن جاء فقط أن يناديه، ما عليه إلا أن يشير له ويناديه.
لم يأت الرجل في اليوم التالي. هكذا أكد عم حسن، لا ولا اليوم الذي يليه، إلى العاشرة حين كاد جاز اللمبة «الشيخ علي» يفرغ وسهرته التي نادرا ما تمتد أكثر ما تنتهي، ويخمر من زبائنه قرر قضاء الليلة عنده ومن سيرحل، هكذا في ظلمة الليلة، ودون خوف من مجهوله وظلامه، وكأنه في بيته صاحب الطريق إلى العشرة لم يكن قد جاء.
وفي اليوم الثالث. كانت كوب الشاي التي قدها للعسكري عقب الغذاء، وكان رجاؤه أول مرة يسمع فيها هذا الرجاء، أن يساعده على الرحيل.
وحين كان عم حسن يأخذ الكوب الفارغ ويمضي ويتمتم. لم يكن ما يتمتم به كلمات شكر كما أعتقد العسكري، كانت كلمات ضيق وتبرم بالموقف الذي أصبح فيه، فها هو العسكري يقف بجواره مصمما على بقائه وعلى أن باستطاعته الدفاع عنه في حين أنه أعرف الناس أن أحدا لم يستطع - مع هذا الرجل - أن يساعده وأنه جانبه ويجابهه دائما وحيدا، ولا فائدة من إطالة النضال.
وبعد دقائق كان ينادي بأعلى صوته يا شاويش.
نامعلوم صفحہ