بناة العلا من أين تؤتى المكارم
ففي الشعر العربي تنويه بكل صفة من صفات المروءة والفتوة، ازدراء بكل عيب من العيوب التي تشين صاحبها بين قومه، وبيان واف للأخلاق التي تحكم الحياة فعلا، أو ينبغي أن تحكمها وتتراءى فيها مرجحة مشرقة بين سائر الأخلاق.
ومن البديه أن العربي لا يرجع إلى الشاعر ليسأله عن المذاهب الفلسفية ذات الشروح والحواشي وذات العلل والنتائج، ولكنه يرجع إليه ليجد عنده شيئا أصح وأقرب إلى حسه وفهمه وعمله: يجد عنده «شخصيات حية» تتمثل في كل منها صورة من صور الحياة كما هي: وكما يتمناها.
وإنه ليشعر بالمجاوبة بينه وبين هذه الشخصيات في جوانب كثيرة من ذات نفسه وذات ضميره.
يشعر بها حين يريد أن يغتبط بحظه من الأخلاق، ويعتقد أنه على شيء من تلك الصفات التي يحمدها الشعراء.
ويشعر بها حين يريد أن يتعزى عن فقدان الأخلاق الفاضلة في المجتمع، وأن يشكو فقدانها ويبلور هذه الشكوى في كلام محفوظ يردده ويستشهد به لغيره.
ويشعر بها حين يريد أن يستحث طبيعته، وينهض بها إلى غاية يستصعب الوصول إليها، ويؤمن بأنها غاية قد بلغها قبله آخرون.
ولحسن حظه أنه يجد في الشعر شخصيات كثيرة منوعة، تناسب كل حالة، بل تناسب كل سن، بل تناسب كل مزاج.
يجد في الشعر شخصية الشاب المغامر، وشخصية الكهل الناضج، وشخصية الشيخ الحكيم، ويجد هذه الشخصيات معروضة أمامه في حالات الرضا والسخط، وحالات التصون والابتذال، وحالات الروية والارتجال.
كل شاعر من شعرائه النابهين نموذج صحيح من نماذج الشخصية الإنسانية على سليقتها، وكلهم يعطيه الصورة كاملة مستوفاة من حياة واقعية لا شك فيها.
نامعلوم صفحہ