إن «ضئيلا» في هذا البيت الذي وصف به «شوقي» سيادة بني عثمان لتحمد للإعراب العربي، تلك الطمأنينة التي تستقر بها في موضعها، فلا تضطرها الخيوط إلى الجمع، ولا تضطرها السيادة إلى التأنيث، وليس عليه أن يقول: «كانت ضئيلة» ولا أن يقول: «قطعوا خيوطا ضآلا» لأن لسان «الحال» هنا أصدق من لسان المقال. •••
ولم تكن قواعد الإعراب لتسعد الشاعر هذا الإسعاد في تطويع أوزانه لمعانيه، لو أنه نظم قصائده بلغة أجنبية؛ لأنه لا يظفر في تلك اللغة بالكلمات التي تتساوى فيها أوزان الصرف وأوزان الشعر، ولكن اللغة العربية تنفرد بسمة الشاعرية؛ لأنها جمعت على هذا المثال البديع بين أبواب الاشتقاق وأوزان العروض وحركات الإعراب. (4) العروض
وجد الشعر في كل لغة من لغات القبائل البدائية والأمم المتحضرة.
ولكنه لم يوجد فنا كاملا مستقلا عن الفنون الأخرى في غير اللغة العربية.
والمقصود بالفن الكامل هو الشعر الذي توافرت له شروط الوزن والقافية، وتقسيمات البحور والأعاريض التي تعرف بأوزانها وأسمائها، وتطرد قواعدها في كل ما ينظم من قبيلها.
فالشعر في كثير من اللغات قد يلاحظ فيه الإيقاع، ولا تلاحظ فيه القافية ولا الأوزان المقررة، وقلما تلاحظ القافية في الأشعار التي تنشدها الجماعات، كالشعر المسرحي عند اليونان، وتراتيل الصلاة والعبادة عند العبريين.
وربما لوحظت فيه القافية على غير وزن مطرد، كما تلاحظ في الأغاني الفردية أو أغاني الرقص التي تردد فيها الجماعة كلمات قائد الفرقة الراقصة عند مواقف معينة مرسومة بقوافيها، أو بحروف الروي فيها.
أما الشعر الذي تلاحظ القافية والوزن وأقسام التفاعيل في جميع بحوره وأبياته، فهو خاصة من خواص اللغة العربية دون غيرها من لغات العالم أجمع، ومنها اللغات السامية التي تنتمي إليها لغة الضاد.
وقد خطر لبعضهم أن هذا الفن العربي أثر من آثار المزاج السامي، لما اشتهرت به السلالات السامية من نشاط الحس وسرعة الاستجابة للمؤثرات.
ولكن البحوث المشرقية منذ القرن التاسع عشر كشفت عن أوضاع الشعر عند أبناء الأمم السامية القديمة، والأمم السامية التي بقيت لها بقية من الأعقاب في هذه الأزمنة، فثبت أنها جميعا خلو من فنون العروض الملتزمة في المنظومات العربية، وأن أكثر شعرها من قبيل النثر الذي يقيمه الغناء ويصلحه الإيقاع، تارة بالمد وتارة بالقصر على غير قاعدة مطردة، وأن الشاعر الواحد عندهم قد ينظم عشرات القصائد، فلا تتفق فيها قصيدتان على وتيرة واحدة، ولا يتأتى له أن يسمي قصيدة منها باسمها وعلامات وزنها، إلا أن يذكر سطرا من سطورها.
نامعلوم صفحہ