زبان، مذہب اور روایات بقائے حیات میں
اللغة والدين والتقاليد في حياة الاستقلال
اصناف
37
ولا ينبغي أن ننسى الإشارة إلى مقام مصر الحديثة في عالم التقاليد، فهي اليوم تعاني أزمة لم تعرفها من قبل؛ لأن مصر ليس فيها جمهور واحد، وإنما هي جماهير كثيرة ينظر بعضها إلى بعض نظرات مختلفة لا تخلو من قلق وامتعاض.
واصطراع التقاليد في مصر يضيع على أهلها كثيرا من الجهد والوقت، وأكاد أجزم بأن في كل بيت جيلين يقتتلان، فالشاب الذي يشاهد الأشرطة السينمائية، ويرى فيها ما يرى من تقاليد أهل الغرب في حياة الاجتماع، هذا الشاب لا يتأتى له الانسجام مع أهله وذويه في أكثر الأحيان.
ولا يمكن الغض من قيمة هذه النظرة، ولا ادعاء أنها خيال كاتب يتوهم ما لا يكون، فقد أنفقنا من الورق والمداد ما يقدر بالألوف من الجنيهات في سبيل الجدل حول السفور والحجاب، وقضينا سنين نختصم حول ما يقدم إلى البنات من العلوم، وسنقضي أعواما كثيرة في نضال إلى أن نتفق على ما تجب مراعاته من محمود التقاليد.
ومعاذ العقل أن أنتظر أن تخلو الدنيا من الشغب حول المبادئ والآراء، ولكن لا مفر من التنبيه إلى أننا جاوزنا حد المعقول من الخلاف.
على أنه لم يكن بد من وقوع ما وقع، فقد أرسلنا إلى أوروبا بعثات علمية، واضطررنا اضطرارا إلى نقد ما كنا عليه من شتى التقاليد.
وأنا أطلب المستحيل حين أوصي بفض هذا الخلاف، فهو خلاف يوجبه ظرف الزمان والمكان، ولن تستريح مصر إلا يوم تنحاز انحيازا تاما إلى إحدى المدنيتين؛ الشرقية، أو الغربية، وأعتقد أن هذا أمل عزيز المنال، ففي مصر قوتان؛ قوة الجامعة المصرية، وقوة الأزهر الشريف، والجامعة المصرية لن تسكت أبدا عن الدعوة إلى المدنية الغربية؛ لأنها أنشئت لذلك، ولأن فيها قوى أدبية من الأساتذة الأجانب، وهم ينقلون إليها تقاليد الغرب بلا انقطاع، ويزيد في خطر الجامعة المصرية أنها أمنية قومية، وأن مصر تحتاج بالفعل إلى مدد من الحيوية الغربية.
ويزيد في هذا الخطر تشوف الشبان إلى أدب أهل الغرب، وشوقهم إلى الجري في ميادين جوت وبيرون ولامرتين، وقد جروا في ذلك أشواطا يعرفها كل من يتلمس أخبارهم في حياة المجتمع، وينظر ما درجوا عليه في مذاهب الفكر والمعاش.
والأزهر لن يسكت أبدا عن الدعوة إلى المدنية الشرقية، ولن يكف أهله عن التذكير بمجد الأسلاف.
ويزيد في خطر الأزهر قرب أهله من قلوب الجماهير الشعبية، وقدرته على بث الحبائل، والأشراك للمدنية الغربية.
نامعلوم صفحہ