[اللب المصون شرح الجوهر]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أفضل ما تحلت به جياد المعاني والبيان وتباهت ببديع أنسه قلوب أهل العرفان، الثناء على الله المختص على الحقيقة بالكمال المنزه في ذاته وصفاته عن شائبة المثال، والصلاة والسلام على أفصح الأنام، محمد الذي بلغ المسند إليه غاية المرام، وعلى آله وأصحابه الطيبين الباذلين نفوسهم في تشييد قواعد الدين،(وبعد) فيقول العبد الفقير الحقير، الراجي من مولاه الخروج من سجن التقصير، أحمد الدمنهوري متعه الله بحصول آماله، ومن عليه بكمال التوفيق في أقواله وأفعاله: هذا بيان للرسالة الموسومة (( بالجوهر المكنون)) في علم البيان للعارف بالله تعالى سيدي عبد الرحمن الأخضري رحمه الله تعالى ونفعنا به، قد التمسه مني العلامة النبيل، والنحرير الدراكة الجليل، سيدي عبد الرحمن السوسي، أفاض الله علينا وعليه من بحر النوال، ورزقنا وإياه النسج على أحسن منوال، طالبا مني السهولة في البيان، لينتفع به المبتدئون في علم البيان، فأجبته وإن كنت لست أهلا لذلك، ولا من رجال تلك المهامه والمسالك ولكن حسن ظني بمفيض الإنعام، هو الذي حملنيعلى الحلول في هذا المقام، راجيا منه سبحانه وتعالى حسن القبول، والفوز برضاه بمحض فضله فإنه المأمول، وسميته ((حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون)) والله أسأل من فيضه العميم، أن ينفع به من تلقاه بقلب سليم، إنه مفيض الخير والجود وهو حسبي ونعم الوكيل.
صفحہ 1
قال: بسم الله الرحمن الرحيم أقول: ابتدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بخبر ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر)) وفي رواية ((كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم)) ولا تعذر في العمل بالحديثين لحمل الابتداء فيهما على الأعم من الحقيقي والإضافي أو لحمله في الأول على الأول وفي الثاني على الثاني كما في القرآن المبين كيفية العمل بهما على أن اشتراط تحصيل البركة بالابتداء بهما معا محمول على الكمال وأما أصلها فحاصل بأحدهما بل بكل ذكر غيرهما كما يدل له رواية بذكر الله الدالة على اعتبار جهة عمومها وفي وصف الأمر بما بعده فائدتان: الأولى تعظيم اسم الله تعالى حيث لا يبدأ به إلا في الأمور التي لها شأن وخطر، الثانية التيسير على الناس في محقرات الأمور. وأورد أن كلا من البسملة والحمدلة من أفراد موضوع قضية الحديث فيحتاج كل منهما حينئذ إلى سبق مثله ويتسلسل. وأجيب بأن كلا منهما كما يحصل البركة لغيره ويمنع نقصه كذلك يجب أن يحصل مثل ذلك لنفسه كالشاة من الأربعين تزكى نفسها وغيرها والباء في البسملة متعلقة بمقدر وكونه فعلا ومن مادة التأليف هنا ومتأخرا أولى. أما الأول فلأصالة الفعل في العمل. وأما الثاني فلأنه أمس بالمقام إذ لا يشعر تقدير خلافه بما جعلت البسملة مبتدأ له. وأما الثالث فلأن تقديم المعمول هنا أدخل في التعظيم ودال على الاختصاص كما في - إياك نعبد -.
والاسم عند البصريين أحد الأسماء التي كثر استعمالها فخفف بحذف أعجازها وتسكين أوائلها ثم اجتلبت همزة الوصل عند الابتداء بها توصلا للنطق بالساكن واشتقاقه من السمو فأصله عند البصريين سمو ووزنه فعل وبعد التغيير أفع وعند الكوفيين أصله وسم حذفت الواو وعوض عنها همزة الوصل واشتقاقه من السمة وهي العلامة فالوزن قبل التغيير فعل وبعده أعل .
صفحہ 2
والله علم على الذات الواجب الوجود ووصف الذات بما بعدها بيان للمسمى لا لاعتباره فيه وإلا لكان المسمى مجموع الذات والصفة وليس كذلك بل هي وحدها وقيل مع الصفة واعترض على جعل الله علما بأن وضع العلم بإزاء ذاته تعالى فرع تعقله ولا تعقل فلا وضع وأجيب بتعقله تعالى بصفاته والمنفي تعقله بكنه حقيقته وهو غير لازم في وضع العلم على أن الواضع مطلقا أو واضع هذا الاسم وهو الله تعالى علمه لغيره بوحي أو إلهام.
والرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة مشتقان من رحم أي من مصدر ذلك والرحمة رقة في القلب وانعطاف تقتضي التفضل والإحسان وأسماؤه المماثلة لهذه مأخوذة باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات لاستحالة الكيفيات النفسانية عليه تعالى فالرحمة هنا مجاز مرسل عن الإحسان أو إرادته استعمالا لاسم السبب في المسبب والأول أبلغ من الثاني لزيادة بنائه كما في قطع وقطع ولا نقض بحذر وحاذر لعدم التلاقي في الاشتقاق وقدم الله على تالييه لأنه اسم ذات وهي مقدمة على الصفة فقدم ما يدل عليها وهذا التقديم تعقلي وإلا فذات الله تعالى وصفاته ليس فيها تقديم ولا تأخير بحسب الواقع وقدم الرحمن على تاليه لأنه صار علما بالغلبة التقديرية من حيث إنه لا يوصف به غيره تعالى وأما قوله* وأنت غيث الورى لازلت رحمانا * فخطأ نشأ عن التعنت في الكفر واعترض بأن الصناعة تقتضي الترقي للأبلغ من غيره كما في عالم نحرير. وأجيب بجعل الثاني كالتتمة للأول باعتبار جلالة النعم فيه دون الثاني ومن أراد تحقيق الكلام على البسملة فعليه برسالتنا (كشف اللثام عن مخدرات الأفهام) فإنها من أجل ما ألف في هذا المقام. قال:
صفحہ 3
الحمد لله البديع الهادي = إلى بيان مهيع الرشاد أقول: الحمد لغة هو الثناء بالكلام على المحمود بجميل صفاته، واصطلاحا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه ومعنى الشكر لغة هو معنى الحمد اصطلاحا بإبدال لفظ الحامد بالشاكر واصطلاحا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله وجملة الحمد مفيدة له ولو كانت خبرية لأن الإخبار بالثناء ثناء ولاختصاص جميع أفراده به تعالى وإن أشير بأل إلى غير كل الأفراد لكون الحمد صفة ذات أو صفة فعل وقدم المسند إليه للأصل والبلاغة وعرف بأل ليتأتى ما يصلح أن يراد بها وتحقيق الكلام على الحمد والشكر والمدح لغة واصطلاحا والنسبة بين أفراد الجميع في الرسالة المتقدمة والبديع المبدع للشيء على غير مثال فهو فعيل بمعنى فاعل ويطلق على الشيء المبدع فهو بمعنى مفعول وإطلاقه على الله تعالى صحيح بالمعنى الأول مستحيل بالمعنى الثاني. والهادي يطلق على الدال على الطريقة الموصلة إلى المطلوب وعلى خالق الهداية في القلب وهو بالمعنى الأول مشترك بين الله وأنبيائه وأوليائه وكل داع إليه تعالى من خلقه وهو المراد هنا وبالمعنى الثاني خاص به تعالى والبيان الإيضاح والمهيع الطريق والرشاد الصواب وفي ذكر البديع وبيان براعة استهلال وهي أن يذكر المتكلم في أول كلامه ما يشعر بمقصوده كما يأتي في الفن الثالث. قال:
صفحہ 4
أمد أرباب النهى ورسما = شمس البيان في صدور العلما أقول: الإمداد إعطاء المدد. وهو الزيادة في الخير والأرباب جمع رب والمراد به هنا الصاحب والنهى جمع نهية وهي العقل. والرسم هنا عبارة عن الإثبات والبيان المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير وإضافته لما قبله من قبيل لجين الماء ويحتمل تشبيه البيان بالنهار ففيه مكنية وتخييلية. ويحتمل استعارة الشمس لقواعد علم البيان فالاستعارة تحقيقية. ومعنى كون البيان كالشمس أنه يظهر به غيره، وهو المعاني كما أن الشمس يظهر بها غيرها وإن كان الظهور الأول معنويا والثاني حسيا أي باعتبار المتعلق فيهما والرسم لمعنى البيان لا له والصدور جمع صدر مرادا به هنا القلب أي اللطيفة فهو مجاز بمرتبتين وأل في العلماء للكمال أي العاملين وفيه تنبيه على أن العلم لا يستقر ولا يثبت إلا في قلب تخلى عن الرذائل لمصادفته قلبا خاليا فيتمكن فإن الحكمة إذا لم تجد القلب كذلك فإنها ترجع من حيث أتت .
قال:
فأبصروا معجزة القرآن = واضحة بساطع البرهان
أقول: الفاء تفريعية والمراد بالإبصار هنا القلبي أي النظر بعين البصيرة والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي فإضافته لما بعده بيانية إذ المراد به النظم المعجز وإن كان يطلق بالاشتراك اللفظي على الصفة القديمة أيضا فالإضافة قرينة معينة، وقوله بساطع البرهان من إضافة الصفة للموصوف أي البرهان الساطع أي الظاهر والبرهان العقلي قياس مركب من قضايا يقينية والمراد به هنا ما يعم النقلي، ولا شك أن كون القرآن من كلام الله تعالى الناشئ عن الإعجاز المفهوم من معجزة ثابت بالبراهين. أما الأول فكقولنا هذا الكلام معجز وكل معجز ليس من تأليف المخلوق فيكون من تأليف الخالق إذ لا واسطة. وأما الثاني وإن ترتب على الأول فكقوله تعالى- {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}- الآية. قال:
صفحہ 5
وشاهدوا مطالع الأنوار = وما احتوت عليه من أسرار أقول: شاهدوا معطوف على أبصروا فهو من ثمرات رسم البيان أيضا والمراد بالمشاهدة بعين البصيرة والمطالع جمع مطلع وهو محل الطلوع والأنوار جمع نور وهو ما به ظهور الأشياء والمراد به هنا العلم لأنه به تظهر المعلومات والأسرار جمع سر وهو المعنى الخفي ومعنى البيت أنهم بواسطة إمعان النظر الناشئ عما رسم في قلوبهم شاهدوا معاني كلمات القرآن التي هي كمطالع الأنوار الحسية بجامع ما ينشأ عن كل من النور محسوسا في الثاني ومعقولا في الأول وشاهدوا ما اشتملت عليه تلك الأنوار أي العلوم من أسرار أي نكات خفية إذ خبايا القرآن وخفاياه تقف دون آخرها العقول بدليل وما يعلم تأويله إلا الله وإدراك بعضها إنما يكون بالتنوير جعلنا الله من أهله قال:
فنزهوا القلوب في رياضه= وأوردوا الفكر على حياضه
أقول: الرياض جمع روضة والمضاف إليه ضمير القرآن على تقدير مضاف هو معاني ولما كانت النفوس الناطقة تنتعش باقتناص المعاني كما تنتعش بالأقوات الأشباح والمباني شبه معاني القرآن بالرياض بجامع تنزه النفس الناطقة بملابستها كتنزهه القالب الجسماني بالرياض المحسوسة فإضافة رياضه من قبيل لجين الماء مع مراعاة المضاف المتقدم كإضافة حياض بعده لما بعده وإن كان المقصود نوعا من المتوسط بين المتضايفين. والفكر حركة النفس في المعقولات وحركتها في المحسوسات تخييل والحياض جمع حوض وقعت واوه بعد كسرة قلبت ياء أي على معانيه التي هي كالحيض المحسوسة بجامع شفاء الصدر في كل منهما ولا يخفى عليك تفريع هذا البيت على ما قبله قال:
ثم صلاة الله ماترنما= حاد يسوق العيس في أرض الحما
على نبينا الحبيب الهادي = أجل كل ناطق بالضاد
صفحہ 6
محمد سيد خلق الله = العربي الطاهر الأواه أقول: الصلاة لغة العطف فإن أضيف إلى الله تعالى سمي رحمة أو إلى الملائكة سمي استغفارا أو إلى غيرهما سمي دعاء فهي مقولة على هذه المعاني بالاشتراك المعنوي والترنم التغني والعيس الإبل وحاديها سائقها المغني لها ليحصل لها نشاط في السير والحمى الممنوع من قربه والمراد به أرض الحجاز لمنع الكفار من الإقامة بها والمقصود طلب تأبيد الصلاة بجملتها لا التأقيت والنبي إنسان أوحي إليه بشرع فإن أمر بتبليغه سمي رسولا أيضا وهو بالهمز من النبأ أي الخبر فيصح أن يكون بمعنى فاعل باعتبار أنه مخبر بكسر الباء عن الله عز وجل أو بمعنى مفعول باعتبار أن جبريل أخبره عن الله تعالى وبالياء من النبوة وهي الرفعة فيصح أن يكون بمعنى مفعول لأنه مرفوع الرتبة عن غيره أو فاعل لرفعه غيره إذ ما من مرفوع إلا وباب رفعته النبي ( والحبيب يصح أن يكون بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول والهادي المرشد غيره وأجل بمعنى أعظم وكل ناطق بالضاد أشار به لقوله ( فيما روي عنه متكلما فيه بالوضع ((أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش)) ومقصوده الثناء على المصطفى صلى الله عليه وسلم بكمال فصاحته وفي بعض النسخ *على نبي اصطفاه الهادي* أجل إلخ ومحمد علم على ذاته ( وسيد خلق الله أي أفضلهم وأشرفهم على الإطلاق بتفضيل من المولى سبحانه وتعالى بدليل ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وأما ما ورد من الأحاديث الدالة على نهيه عن تفضيله على غيره من الأنبياء فأجابوا عنها بأجوبة منها أنه قال ذلك تواضعا منه (والعربي نسبة إلى العرب والطاهر المنزه حسا ومعنى عن شائبة وصف مخل بشيء من كماله ( صغيرا كان أو كبيرا قبل النبوة وبعدها عمدا أو سهوا والأواه كثير التأوه من خشية الله تعالى وقد ورد أنه كان يسمع لصدره ( أزيز كأزيز المرجل أي غليان كغليان القدر لأن الخوف على قدر المعرفة وهو أعرف خلق الله تعالى بالله. قال:
صفحہ 7
ثم على صاحبه الصديق = حبيبه وعمر الفاروق ثم أبي عمرو إمام العابدين = وسطوة الله إمام الزاهدين
أقول : صاحب بمعنى صحابي وهو من اجتمع به ( مؤمنا به بعد نبوته حال حياته اجتماعا متعارفا وأما قولهم ومات على ذلك فبيان لثمرة الصحبة إذ تحققها لا يتوقف على ذلك والصديق لقب لسيدنا أبي بكر ( واسمه عبد الله وهو قرشي يلتقي مع النبي ( في مرة بن كعب من كلامه ( أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور وأصدق الصدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة وكان(يأخذ بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وكان يشم من فيه رائحة الكبد المشوي لشدة خوفه (وعمر الفاروق هو سيدنا عمر بن الخطاب ( لقب بالفاروق لفرقه بين الحق والباطل يجتمع نسبه مع النبي ( في كعب من كلامه ( من خاف من الله لم يشف غيظه ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد وكان يأخذ اللبنة من الأرض ويقول يا ليتني كنت هذه اللبنة ليتني لم أخلق ليت أمي لم تلدني ليتني لم أك شيئا ليتني كنت نسيا منسيا وكان يحمل جراب الدقيق على ظهره للأرامل والأيتام فقال له بعضهم دعني أحمله عنك فقال ومن يحمل عني يوم القيامة ذنوبي .
صفحہ 8
وأبو عمرو المراد به سيدنا عثمان بن عفان ( يجتمع نسبه مع النبي ( في عبد مناف وكان ( شديد الحياء وكان يصوم النهار ويقوم الليل إلا هجعة من أوله وكان يختم القرآن في ركعة واحدة كثيرا وكان إذا مر على المقبرة بكى حتى يبل لحيته ( وسطوة الله إمام الزاهدين المراد به سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعبر عنه بالسطوة لشدة بأسه على أهل الزيغ وبما بعده لشدة إعراضه عن الدنيا وكان رضي الله عنه يقول: الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر علة مخالطة الكلاب وكان يخاطب الدنيا ويقول يا دنيا غري بغيري فقد طلقتك ثلاثا عمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق وكان يقول ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت رضي الله عنه. قال:
ثم على بقية الصحابة= ذوي التقى والفضل والإنابة
والمجد والفرصة والبراعة = والحزم والنجدة والشجاعة
صفحہ 9
ما عكف القلب على القرآن = مرتقيا لحضرة العرفان أقول: التقى من قولهم وقاه فاتقى والوقاية الحفظ والمتقي من يقي نفسه أي يحفظها عما يضرها في الآخرة وللتقوى مراتب الأولى التوقي عن العذاب الأبدي وهي حاصلة بعدم الشرك بالله تعالى والثانية التنزه عن كل مأثم فعلا أو تركا والثالثة التنزه عما يشغل السر من الأكوان عن الحق (وهذا القسم مطلوب للمولى من عبيده بقوله اتقوا الله حق تقاته لأنه تعالى لا يقبل على القلب المشترك والفضل الزيادة في الخير والإنابة الرجوع إليه سبحانه وتعالى والمجد الكرم والفرصة من قولهم فرصت الرجل وأفرصته إذا أعطيته فهي بمعنى العطية والبراعة من برع الرجل بالفتح والضم براعة إذا فاق أصحابه في العلم وغيره والحزم ضبط الأمر بالاتفاق وحسن التدبير والنجدة الإعانة بسرعة وتطلق على الشجاعة فعطف ما بعدها على هذا عطف مرادف ومغاير على الأول والشجاعة شدة القلب عند البأس والعكوف الإقامة والقرآن يطلق على الصفة القديمة وليس مرادا هنا وعلى النظم المعجز الدال على متعلق الصفة القديمة لا عليها نفسها على التحقيق خلافا لظاهر عبارات جمهور المتكلمين وهو المراد هنا وبين على والقرآن مضاف وهو معاني ومعنى الإقامة على المعاني الإقامة على التأمل فيها فإن ذلك هو العروة الوثقى في الوصول إلى حالة يقف دون أولها سليمو العقول وهو ما أشار إليها بقوله مرتقيا إلخ وليس مقصوده بما عكف التقييد بل المقصود هنا التأبيد. قال:
هذا وإن درر البيان= وغرر البديع والمعاني
تهدي إلى موارد شريفة = ونبذ بديعة لطيفة
من علم أسرار اللسان العربي = ودرك ما خص به من عجب
صفحہ 10
لأنه كالروح للإعراب = وهو لعلم النحو كاللباب أقول: لفظة هذا خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر هذا أو مبتدأ والخبر محذوف أي هذا كما ذكر وهو للانتقال من كلام إلى آخر ويسمى الاقتضاب لعدم الملائمة بين المنتقل عنه والمنتقل إليه فإن كانت مناسبة سمي تخلصا كما يأتي الكلام على ذلك في فن البديع إن شاء الله تعالى والواو في وإن واو الحال ودرر البيان أراد بها مسائل علم البيان المعني به إدراك المسائل على سبيل الاستعارة المصرحة وغرر البديع والمعاني كذلك نظرا للأصل في معنى الغرة ويحتمل أن يكون المراد بالبيان وتالييه المسائل فالإضافة من قبيل لجين الماء وسيأتي تحقيق معنى العلم في أول الفن الأول وتهدي توصل والموارد جمع مورد مرادا به المعنى سمي بذلك لورود الأفكار عليه لتشتفي من ظمأ الجهل كالورد المحسوس الشافي من حرارة الكبد فالموراد استعارة مصرحة ونبذ جمع نبذة مرادا بها بعض المعنى وبديعة بمعنى حسنة ولطيفة دقيقة ومن تبعيضية وعلم اللسان العربي علم اللغة وأسراره دقائقه ودرك بمعنى إدراك معطوف على موارد وما واقعة على المعاني الدقيقة التي خص بها اللسان العربي ومن عجب بيان لها والعجب بمعنى العجيب أي ما يتعجب منه للطافته وقوله لأنه أي المذكور من البيان وتالييه ومراده بالإعراب المعرب ولباب كل شيء خالصه ومعنى كون هذه الفنون أي مؤداها كالروح للمعرب من الكلمات أنها موصلة إلى معرفة المزايا الزائدة على معاني الكلمات الأصلية التي هي من خواص التراكيب كالمطابقة لمقتضى الحال وهذا هو محط نظر البلغاء فالكلمات المعربة المجردة عن هذه الخواص كالأشباح الخالية عن الأرواح فليست معتبرة بدونها كما أن الجسم لا يعتبر بدون الروح فالخواص للكلمات بمنزلة الأرواح للأشباح ففي كلامه الحكم على الشيء بحكم مؤداه ويحتمل أن يكون المراد بالإعراب العلم الباحث عنه وهو النحو فيكون الحكم على البيان وما معه لا على المؤدى ويكون المصنف قد جعل له منزلتين الأولى منزلة الروح من الجسم والثانية منزلة اللباب من القشر ومراده بهذه الأبيات مدح هذا الفن المتضمن مدح كتابه وهذا الفن جدير بذلك إذ لا تدرك دقائق التفسير وما اشتمل عليه من الاعتبارات اللطيفة إلا بواسطة مراعاة هذا الفن فهو من أعظم آلات العلوم الشرعية ولذلك كان الاشتغال به فرض كفاية. واعلم أن تعريف كل علم يأتي في أوله وموضوعه الكلمات العربية من الحيثيات الآتية والواضع له الشيخ عبد القاهر والاسم يأتي في آخر المقدمة ومادته من أسرار العربية وتقدم حكمه وستأتي مسائل كل، وفضيلته إدراك معجزة القرآن به، ونسبته تقدمت في قوله لأنه كالروح الخ، وفائدته تأتي عند قوله وحافظ الخ. قال:
وقد دعا بعض من الطلاب = لرجز يهدي إلى الصواب
فجئته برجز مفيد = مهذب منقح سديد
ملتقطا من درر التلخيص = جواهرا بديعة التخليص
صفحہ 12
سلكت ما أبدى من الترتيب = وما ألوت الجهد في التهذيب أقول: دعا بمعنى طلب فاللام في قوله لرجز زائدة والرجز نوع من الشعر أجزاؤه مستفعلن ست مرات تأتي دائرة المشتبه منفكا عن أولها من سببي مفاعيلن وهذه المنظومة وما أشبهها من مشطور الرجز وفي كونه عروضا أو ضربا أقوال تعلم من علم العروض. والصواب كلام طابق حكمه الواقع من غير اعتبار المطابقة من جانب بخصوصه بخلاف الحق فإنه ما طابق الواقع باعتبار نسبة الواقع إليه وبخلاف الصدق فإنه ما طابق الواقع باعتبار نسبته إلى الواقع ويقابل الأول الخطأ والثاني الباطل والثالث الكذب ورجز مفيد يحتمل أنه مجاز عقلي مما بني الفعل فيه للفاعل وأسند إلى المفعول كعيشة راضية لأن الرجز مفاد لا مفيد ويحتمل أن يكون من باب الاستعارة بالكناية والتخييلية بأن جعل الإنسان المضمر المرموز إليه بمفيد أو التشبيه المضمر في النفس أو الرجز المدعى أنه من أفراد الإنسان المشبه به استعارة بالكناية على المذاهب فيها وإثبات اللازم وهو مفيد استعارة تخييلية ومهذب أي مصفى من شائبة ما لا فائدة فيه ومنقح بعده بمعناه وسديد بمعنى أنه لا خلل فيه وأتى به لدفع توهم خلل في المعنى ناشئ عن الإيجاز الناشئ عن هذه الأوصاف المصرح بها فيما بعد وفيه مدح لتأليفه ليقبل فيحصل به النفع وهذه عادة المصنفين ولا بأس بذلك لصحة الغرض. والتلخيص هو مختصر الخطيب القزويني للقسم الثالث من المفتاح للسكاكي ودرره مسائله التي يشتمل عليها فالدرر أي الجواهر أو استعمالها استعارة تصريحية ومن تبعيضية وجواهر معمول لملتقطا وبديعة التخليص حسنته. ومعنى البيت أنه لم يأخذ جميع مسائل التلخيص وإنما أخذ بعضها وقوله : سلكت ما أبدى من الترتيب. يعني أنه رتب مؤلفه ترتيبا مثل ترتيب تلخيص المفتاح وقوله وما ألوت الجهد أي ما منعته والجهد بالضم الطاقة والتهذيب التصفية. قال:
سميته بالجوهر المكنون = في صدف الثلاثة الفنون
صفحہ 13
والله أرجوا أن يكون نافعا = لكل من يقرؤه ورافعا وأن يكون فاتحا للباب = لجملة الإخوان والأصحاب
أقول: ضمير سميته يرجع إلى المؤلف المفهوم من السياق وسمى يتعدى لمفعولين تارة بنفسه وتارة للثاني بالباء كما هنا والجوهر إلى آخر البيت هو اسم هذا الكتاب والمكنون المستور والصدف وعاء الجوهر والثلاثة بدل مما قبله والفنون جمع فن وهو النوع من كل شيء والمراد هنا علم المعاني والبيان والبديع والرجاء الأمل وقدم المعمول للاختصاص وقوله يقرؤه أي على غيره أو لغيره ورافعا له على غيره من أقرانه وقوله للباب أي باب الفهم للكتب المطولة في هذا العلم ولا يخفى ما فيه من التواضع حيث جعل كتابه وسيلة غير مقصود والإخوان جمع أخ في الله لا من النسب وجمعه من النسب إخوة والأصحاب جمع صاحب ومقصوده تعميم النفع وقد أخبرنا شيخنا سيدي عبد الله المغربي القصري عن أشياخه أن المصنف كان مجاب الدعوة وقد شاهدنا ذلك نفعنا الله به.
صفحہ 14
[المقدمة] أقول رتب المصنف كتابه كأصله على مقدمة وثلاثة فنون فجعل الخاتمة داخلة في فن البديع وهو الوجه بدليل كلام صاحب الأصل في الإيضاح وقال بعض شارحي الأصل بعدم الدخول فوجه الحصر على الأول أن المذكور في الكتاب إما أن يكون من قبيل المقاصد في هذا الفن أو لا. الثاني المقدمة والأول إن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فهو الفن الأول وإلا فإن كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني وإلا فهو الفن الثالث ووجهه على الثاني أن المذكور في الكتاب إما من قبيل المقاصد أو لا فإن كان من قبيل المقاصد فإن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فهو الفن الأول وإن كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني وإن كان الغرض منه معرفة وجوه تحسين الكلام فهو الفن الثالث وإن لم يكن من قبيل المقاصد فإما أن يتعلق بها تعلق السابق باللاحق أو تعلق اللاحق بالسابق فالأول هو المقدمة والثاني هو الخاتمة. فإن قلت هذا التقسيم غير شامل للخطبة والتراجم لظهور عدم دخولها في شيء من الأقسام مع أنها من جملة ما ذكر في الكتاب. فالجواب أن المراد بالمذكور في الكتاب المذكور في التقسيم ماله مدخل وخصوصية بهذا الفن فحينئذ لا تكون الخطبة ونحوها داخلة في المقسم حتى يلزم عدم شمول الأقسام لها. والمقدمة بالكسر مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه أي منقولة من ذلك لمناسبة بينهما لأن هذه المقدمة تقدم الإنسان لمقصوده كما أن مقدمة الجيش تقدمه أي تجسره على التقدم فيكون استعمال لفظ المقدمة في مقدمة العلم ومقدمة الكتاب حقيقة عرفية ويحتمل أنها مأخوذة منها أي (غير واضح في الأصل) وبالفتح من الأول لا غير لأن المؤلف قدمها أمام مقصوده وهي قسمان: مقدمة علم ومقدمة كتاب.
صفحہ 15
فمقدمة العلم ما يتوقف عليها الشروع في ذلك العلم وهو تصوره بوجه ما إن أريد مجرد الشروع أو تصوره برسمه أو حده وتصور موضوعه وغايته إن أريد الشروع على بصيرة وهذه معان محضة وذكر الألفاظ لتوقف الأنباء عنها عليها لا أنها مقصودة لذاتها حتى لو تيسر فهم المعنى من غير ألفاظ لم يحتج إليها أصلا ومقدمة الكتاب اسم لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه فالأولى معان والثانية ألفاظ فبين المقدمتين تباين والمقدمة هنا مقدمة كتاب لا علم خلافا لصاحب المنن في شرحه لأنها طائفة من الكتاب وهي ألفاظ ذكرت أمام المقصود وهو المعاني والبيان والبديع لارتباط كل بما ذكره هنا من معنى الفصاحة والبلاغة وانحصار علم البلاغة في علمي المعاني والبيان وما يلائم ذلك ولو عبر المصنف بمقدمة بالتنكير كما عبر أصله لكان صوابا إذ لا وجه للتعريف لأن طرقه أربعة العهد الخارجي أو الذهني أو الجنس أو الاستغراق ولا يصلح المقام لشيء من ذلك بخلاف التعريف في الفنون الثلاثة فله وجه وهو تقدم العلم بها من قوله: ومن التعقيد البيتين فناسب الإيراد بالتعريف. قال:
صفحہ 16
فصاحة المفرد أن يخلص من = تنافر غرابة خلف زكن أقول : الفصاحة في اللغة تنبئ عن الظهور والإبانة يقال فصح الأعجمي إذا انطلق لسانه وخلصت لغته من اللكنة وقال تعالى حكاية عن سيدنا موسى- وأخي هرون هو أفصح مني لسانا- أي أبين مني قولا، ومعناها اصطلاحا يختلف باختلاف موصوفها وموصوفها الكلمة والكلام والمتكلم يقال كلمة فصيحة وكلام فصيح في النار وقصيدة فصيحة في النظم ومتكلم فصيح. وأما البلاغة فيوصف بها المتكلم والكلام فقط فيقال كلام بليغ ومتكلم بليغ ولا يقال كلمة بليغة، وذكر المصنف فصاحة الكلمة وهي مقصوده بالمفرد في هذا البيت فذكر أنها عبارة عن خلوصه من ثلاثة أمور- الأول التنافر وهو وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها فمنه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل كالهعخع بضم الهاء والخاء المعجمة وسكون العين المهملة الأولى من قول أعرابي وقد سئل عن ناقته فقال تركتها ترعى الهعخع والهاء والعين لا يكادان يجتمعان من غير فصل وهو شجر مستحدث قيل ولا أصل له في كلامهم وإنما هو الخعخع بخاءين معجمتين ومنه ما دون ذلك كمستشزرات من قول امرئ القيس:
*غدائره مستشزرات إلى العلى*
صفحہ 17
أي ذوائبه جمع غديرة والضمير للفرع قبله والفرع الشعر التام ومستشزرات أي مرتفعات إن قرئ بكسر الزاي أو مرفوعات إن قرئ بفتحها. وضابط التنافر كل ما عده الذوق السليم الصحيح ثقيلا معسر النطق سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك. الثاني الغرابة وهي كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مألوفة الاستعمال فتحتاج معرفتها إلى تفتيش عنها في كتب اللغة المبسوطة كما روي عن بعضهم أنه سقط عن حماره فاجتمع عليه ناس فقال مالكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة أفرنقعوا أي اجتمعتم تنحوا عني أو تخريج لها على معنى بعيد نحو مسرج في قوله العجاج*وفاحما ومرسنا مسرجا*فإنه لم يعرف ما أراد بقوله مسرجا حتى اختلف في تخريجه فقيل هو من قولهم في السيوف سريجية منسوبة إلى قين أي حداد يقال له سريج يريد أنه في الدقة والاستواء كالسيف السريجي وقيل من السراج يريد أنه في البريق واللمعان كالسراج وهذا يقرب من قولهم سرج الله وجهه أي بهجه وحسنه وفاحما أي شعرا أسود كالفحم معطوف على منصوب قبله والمرسن بفتح الميم مع فتح السين وكسرها الأنف الثالث المخالفة للقواعد بأن تكون الكلمة على خلاف قانون مفردات الألفاظ الموضوعة كالفك فيما يجب إدغامه وعكسه نحو قول أبي النجم: الحمد لله العلي الأجلل الواحد الفرد القديم الأول.
والقياس الأجل بالإدغام لاجتماع مثلين مع تحريك الثاني فنحو ماء وآل وعور وقطط فصيح لأنه ثبت عن الواضع كذلك فهو في حكم الاستثناء من القياس وزاد بعضهم أمرا رابعا وهو الخلوص من الكراهة في السمع بأن تكون الكلمة بحيث يمجها السمع نحو الجرشي أي النفس في قول أبي الطيب*كريم الجرشي شريف النسب*ورد ذلك بأن الكراهة في السمع*من قبيل الغرابة فلا زيادة على الثلاثة وزكن علم.قال:
صفحہ 18
وفي الكلام من تنافر الكلم = وضعف تأليف وتعقيد سلم أقول المراد بالكلام المركب مجازا من باب إطلاق اسم الخاص على العام ومقابلته بالمفرد قرينة لذلك فيشمل المركب الناقص كان قام زيد والتام كزيد قائم فالتعميم في جانبه أي الكلام ما ليس بمفرد وقيل إن المركب الناقص داخل في المفرد والتعميم فيه أي المفرد ما ليس بكلام أي مركب تام وهو مختار السعد في شرح الأصل والمرجح الأول. قوله من تنافر الخ أي خلوصه من هذه الأمور الثلاثة وترك رابعا ذكره أصله هو فصاحة كلماته احترازا من نحو زيد أجلل فليس بفصيح فالتنافر أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وإن كان كل منها أسأي تاافصيحا والثقل يكون متناهيا كما في قوله:
وليس قرب قبر حرب قبر
وغير متناه كما في قوله:
كريم متى أمدحه أمدحه والورى = معي وإذا ما لمته لمته وحدي.
ومنشأ الثقل في الأول نفس اجتماع الكلمات وفي الثاني حروف منها وهو في تكرار أمدحه دون مجرد الجمع بين الحاء والهاء لوقوعه في التنزيل نحو فسبحه فلا يقال إن مثل هذا الثقل مخل بالفصاحة وضعف التأليف أن يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوي كالإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما نحو ضرب غلامه زيدا بخلاف ضرب زيد غلامه قوله وضرب غلامه زيد وهو زيد قائم. والتعقيد أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع إما في نظم الكلام بسبب تقديم أو تأخير فيه أو حذف أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المعنى المراد وإما في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود فالأول كقول الفرزدق في خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم:
صفحہ 19
وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه أي ليس مثله في الناس أحد يقاربه أي يشبهه في الفضائل إلا مملكا أي رجلا أعطي الملك يعني هشاما أبو أمه أي أبو أم ذلك المملك أبوه أي أبو إبراهيم الممدوح أي لا يماثله أحد إلا ابن أخته وهو هشام ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حي وفصل بين الموصوف وصفته أعني حي يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه وتقديم المستثنى أعني مملكا على المستثنى منه أعني حي وفصل كثير بين البدل وهو حي والمبدل منه وهو مثله فمثله اسم ما وفي الناس خبره وإلا مملكا منصوب لتقدمه على المستثنى منه .والثاني كقول الآخر:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا = وتسكب عيناء الدموع لتجمد
جعل سكب الدموع كناية عما يلزم فراق الأحبة من الكآبة والحزن وأصاب لكنه أخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه التلاقي من الفرح والسرور فإن الإنتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع حال إرادة البكاء وهي حالة الحزن لا إلى ما قصده من السرور الحاصل بالملاقاة وزاد بعضهم الخلوص من كثرة التكرار وتتابع الإضافات فالأول كقوله:
سبوح لها منها عليها شواهد
والثاني كقوله:حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي
ورد بأن ذلك إن ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر وإلا فلا يخل بالفصاحة كيف وقد وقع في القرآن قال الله تعالى -والشمس وضحاها-الخ فكرر الضمائر وقال-ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك-وقال- واعف عنا واغفر لنا وارحمنا- وقال تعالى في تكرير الأضافات -ذكر رحمة ربك عبده زكريا. كدأب آل فرعون.
صفحہ 20
[فائدة] ذكر بعض الفضلاء أن من خصائص القرآن أنه اجتمع فيه ثمان ميمات متواليات ولم يحصل بسببها ثقل على اللسان أصلا بل إزدادت خفة وذلك في قوله تعالى -وعلى أمم ممن معك- فإن التنوين في أمم والنون في ممن معك يدغمان في الميم بعدهما فيصيران في حكم ميم أخرى والميم المشددة في ممن بميمين وفيه أربع أخر فهذه ثمانية وقوله سلم أي خلص خبر مبتدأ معلوم من المقام وهو مؤول بمصدر ومن تنافر متعلق به أي والفصاحة في الكلام خلوصه من تنافر الكلم.
قال:
وذي الكلام صفة بها يطيق = تأدية المقصود باللفظ الأنيق
أقول: ذي الكلام معطوف على الكلام في البيت قبله أي والفصاحة في ذي الكلام أي صاحبه وهو المتكلم صفة الخ والمراد بالصفة الملكة.ومعنى البيت والفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح والملكة هي الكيفية الراسخة في النفس والكيفية عرض لا يتوقف تعقله على تعقل غيره ولا يقتضي القسمة واللاقسمة اقتضاء أوليا فخرج بالقيد الأول الأعراض النسبية وهي الإضافة والملك والفعل والانفعال والأين والمنى والوضع وبالقيد الثاني الكم متصلا كان أو منفصلا وبالثالث النقطة. وبالقيد الرابع دخل مثل العلم بالمعلومات المقتضية للقسمة واللاقسمة فإن اقتضاء العلم لذلك ثانوي بواسطة المعلوم فعلم أن من تكلم بالفصيح وليس له ملكة غير فصيح متكلم أو لا، قال:
صفحہ 21