فهمس سعيد لنفسه: أنا أقتل الآخرين!
ثم سأله بصوت مرتفع: هل تستطيع أن تقيم ظل شيء معوج؟
فقال الشيخ برقة: أنا لا أهتم بالظلال!
وساد الصمت فدبت الحياة خارج الكوة التي يسيل منها القمر، ورتل الشيخ بصوت هامس: «إن هي إلا فتنتك.» وقال سعيد: إن الشيخ سيجد دائما ما يقوله، وبيتك يا مولاي غير مأمون وإن تكن أنت الأمان نفسه، وعلي أن أهرب مهما كلفني الأمر، وأما أنت يا نور فلتحفظك الصدفة إن أعوزك العدل والرحمة، ولكن كيف نسيت البدلة الرسمية؟ لففتها مصمما على أخذها معك، فكيف نسيتها في آخر لحظة؟ حقا فقدت جميل مزاياك بالسهاد والوحدة والظلمة والقلق، وقد يجدون في البدلة أول خيط يوصل إليك، وقد تشمها الكلاب فتنتشر في جهات الأرض الأربع كي تكتمل المأساة التي يتسلى بها قراء الصحف، وإذا بالشيخ يقول فيما يشبه الأسى: سألتك أن ترفع وجهك إلى السماء، وها أنت تنذر بأنك ستدفنه في الجدار!
فحدجه بحزن هاتفا: وحديثي عن الأوغاد ألا تذكره؟
فقال بنبرة دسمة: واذكر ربك إذا نسيت .
فغض بصره في كرب ثم ساءل نفسه: كيف نسي البدلة، وعاودته أفكار السوء، أما الشيخ فقال وكأنما يخاطب آخر: سئل: «أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به، هل يرد من قدر الله؟» فأجاب: «إنه من قدر الله!» - ماذا تعني؟
فقال وهو يتأوه آسفا: لم يكن أبوك ليغلق عليه قولي أبدا!
فقال سعيد بشيء من الحدة: من المؤسف أنني لم أجد عندك طعاما كافيا، كما هو مؤسف أنني نسيت البدلة، كذلك عقلي يتعذر عليه فهمك، وسأدفن وجهي في الجدار، ولكني واثق من أنني على حق ...
فقال باسما في رثاء: قال سيدي: «إني لأنظر في المرآة كل يوم مرارا مخافة أن يكون قد اسود وجهي!» - أنت؟! - بل سيدي نفسه!
نامعلوم صفحہ