وسكت عباس قليلا وهو يرقب هذه الحمرة التي تزحف على وجه ليلى الأبيض الناصع البياض، وحين أومأت له أن يقول قال: أنا لا شأن لي.
وقالت وهيبة: قل يا عباس، شوقتنا يا أخي!
وقال عباس في سرعة وكأنما يخشى أن تخذله شجاعته فلا يكمل جملته: لقد ضبط الشيخ وهو يقبل أحد التلاميذ.
واختلط الخجل بالوجوه المتوارية عن ضحك غرير خبيث جاهل لا يخلو من علم، واستقبل جو الغرفة كلمات من الفتاتين تحاول أن تكون جادة فيخذلها صوت من الهزل يكسر عنها حدة الجد. وتبتلع الألفاظ والابتسامة والخجل جميعا قهقهة عالية من عباس لهذه الحيرة التي أوقع فيها أخته وابنة خالته.
وقبل أن ينتهي الضحك يدخل لطفي عجلا كشأنه حين يزور. واستقبلته وهيبة: أهلا. أين أنت يا أخي؟ اقعد.
وطالعه من وهيبة هذا الترحيب، وطالعه منها أيضا وجه وضيء وابتسامة حلوة وجمال لم يلحظه قبل اليوم، ولكنه مع ذلك أصر أن يظهر تعجله وضيقه بمرافقته لأخته، فأطلق جملته التي كان أعدها منذ سمع الضحك العالي الذي سمعه على السلم أول ما سمع: عظيم يا ستي ليلى! ما دمت تضحكين فلن نقوم من هنا في ليلتنا.
واستمر عباس في ضحكه، وسكتت ليلى والخجل ما يزال يغشى وجهها.
وقالت وهيبة: يا أخي اقعد، ألا نراك إلا لتنصرف؟ اقعد. لنا زمان لم نرك.
ووجد لطفي نفسه جالسا! لماذا؟! إنه لا يدري، إلا أنه أحس شيئا جديدا في صوت وهيبة يدعوه إلى الجلوس، وقد استجاب لهذا الجديد وقعد.
وطال الكلام، وراح لطفي يستعرض مهاراته جميعا، ولكن ما أضأل الفرصة التي يتركها له عباس من الحديث؛ فهو يجتاح المجلس كله بنكاته. وإن ليلى لمستجيبة لهذا الحديث لا تبغي عنه حولا، ووهيبة جالسة إلى ليلى وعباس فاغرة فاها، فرحة بهذه العوالم الحبيبة التي حرمها منها أبوها، ولطفي تائه في هذه المشاعر المتماوجة بين إقبال ليلى على حديث عباس، وإقبال عباس على الحديث إلى ليلى، وإقبال وهيبة على المتحدث والمستمعة جميعا. تائه هو حائر ضائع في هذا الزحام من الأفكار والخلجات، لا يجد لنفسه مكانا في المزدحم الثلاثي الصغير، فما له إذن لا يهيب بأخته أن تقوم وهو من وضع لها الشروط، ويملك في يده السلاح القوي المتمكن الذي يستطيع به أن يقيمها قبل أن يكمل عباس لفظته التالية.
نامعلوم صفحہ