Lessons of Sheikh Osama Suleiman
دروس الشيخ أسامة سليمان
اصناف
بيان ما فعله النبي ﵊ منذ دخول مكة إلى يوم عرفة
دخل ﵊ مكة صباحًا (فجرًا) وطاف بالبيت سبعة أشواط وسعى بين الصفا والمروة، ثم أمر أصحابه أن يتحللوا، أي: أن يتمتعوا، فترددوا فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، فعلم الصحابة أن أفضل النسك هو التمتع، فتحللوا وظل الحبيب محمد ﷺ على إحرامه إلى اليوم الثامن من ذي الحجة المعروف بيوم التروية؛ لأنه ساق الهدي معه، ثم توجه إلى منى قبل الزوال في الثامن، وصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرًا دون جمع، ولما صلى الفجر وأشرقت الشمس في اليوم التاسع توجه إلى عرفة ونزل بنمرة ﵊، ثم بعد الزوال -أي: عند الظهر- ضربت له خيمة ببطن الوادي، وقام يخطب في الناس خطبة الوداع، هذه الخطبة التي أرسى فيها قواعد وأسسًا عظيمة، والتي تعتبر ميثاقًا لحقوق الإنسان، ولذا أقول: إن كانت منظمات العالم تضع مواثيق لحقوق الإنسان فنحن نقول: إن نبي البشرية محمدًا ﷺ قد وضع وثيقة حرمات لا وثيقة حقوق، واسمعوا إلى ما قاله النبي ﵊ لأكثر من مائة ألف بعد الزوال في يوم عرفة الذي هو أفضل يوم طلعت فيه شمس العام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وعلماء السوء في زمننا اليوم يريدون لربا الجاهلية أن يعود، يريدون أن يأخذوه من تحت قدم رسول الله ﷺ، فيعيدوه إلى حياة الناس! ثم قال ﵊: (وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، استوصوا بالنساء خيرًا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، إن لكم عليهن: ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهون، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم: كسوتهن ورزقهن)، ثم قال ﷺ: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي)، ثم قال للناس من حوله: (إنكم ستسألون عني يوم القيامة فماذا أنتم قائلون؟ فعلت الأصوات تقول: نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله، فرفع السبابة إلى السماء ينكتها إلى الأرض قائلًا: اللهم هل بلغت اللهم فاشهد اللهم هل بلغت اللهم فاشهد)، ونحن نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله، ونصحت الأمة، وتركتها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
ثم بعد أن أدى ﵊ خطبة الوداع التي بين وقرر فيها حرمة الدماء والأموال والأعراض، وحرمة الربا، والوصية بالنساء، هذه المرأة التي يجعلونها اليوم كسلعة رخيصة في يد أعدائها، وطالبوا بالمساواة بينها وبين الرجل، وفي سبيل ذلك أجازوا لها أن تخطب الجمعة! وعينوها قاضية! وهكذا أقحموها في كل ميادين الحياة العملية بحجة المساواة، والذي خلق الذكر والأنثى يقول: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ [آل عمران:٣٦]، وقد ذكرت قبل أن هناك كثيرًا من الأحكام الفقهية يختلف فيها الذكور عن الإناث، منها: أن بول الصبي -قبل أن يفطم- ينضح، وبول الجارية يغسل؛ لحديث أم قيس عند البخاري: (أنها جاءت بولدها للنبي ﷺ وهو صغير ليحنكه ويباركه، فوضعه النبي ﵊ على حجره فبال عليه، فأمر النبي ﷺ بماء ونضحه)، وقال: (بول الصبي ينضح وبول الجارية يغسل)، وهذا من أول لحظة، وأيضًا: إن كان المولود ذكرًا فيعق عنه بشاتين وعن الأنثى شاة واحدة، وليس معنى هذا: أننا نفرق بينهما في الحقوق والواجبات، بل لا نفعل ذلك إلا بنص، قال الله ﷾: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء:٣٤]، وعليه فإن أردت أن تتبع الأحكام الشرعية التي تختلف فيها الإناث عن الذكور فستجدها كثيرة.
والنبي ﵊ في حجة الوداع أمام هذا الحشد الكبير ما نسي أن يوصي بالمرأة، لعظم حقها ورفعة شأنها في الإسلام، ولنا مع هذه الوصية وقفة إن شاء الله تعالى، ولما أنهى خطبته أمر بلالًا أن يؤذن، فأذن وأقام فصلى الظهر ركعتين، ثم أمره فأقام وصلى العصر ركعتين، أي: أنه صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ولم يفصل بينهما بصلاة، وهذه هي السنة؛ لأن البعض قد يتنفل بعد الظهر أو قبل العصر، وهذا خلاف فعل النبي ﷺ، وبعد أن صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ظل في عرفة إلى أن غاب قرص الشمس، ولذلك يقول الفقهاء: إن ترك الحاج عرفة قبل غروب الشمس يلزمه دم؛ لأنه ترك واجبًا، والوقوف بعرفة بجزء من الليل واجب، والوقوف
4 / 5