Lessons from Sheikh Abdul Rahman Al-Mahmoud
دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود
اصناف
أبرز الصفات الأخلاقية التي يتميز بها المسلم والأئمة من أهل السنة
نأتي بعد ذلك إلى أبرز الصفات الأخلاقية التي يتميز بها المسلم، وتميز بها الأئمة من أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى، وأحب أن أنبه إلى أن هذه الصفات البارزة إنما اخترناها لأهميتها أولًا، ولكونها أخلاقًا جامعة ثانيًا، ولحاجة المؤمنين والمسلمين الذين يحبون أن يتبعوا أولئك الأئمة في أخلاقهم ثالثًا، مع العلم أن هذه الأخلاق قد يدخل بعضها في بعض، وسأشير إليها باختصار.
والنصوص الدالة على الصدق كثيرة جدًا في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، ولما ذكر الله ﵎ قصة الثلاثة الذين خلفوا وصدقوا رسول الله ﷺ عند مرجعه من غزوة تبوك، أولئك الثلاثة الذين لم يفعلوا فعل المنافقين ويحلفوا بالكذب، وإنما صدقوا رسول الله ﷺ، فأخبرنا ﵎ عنهم بقوله: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة:١١٨]، فنزلت هذه التوبة لهم، وبشروا ﵃ وأرضاهم بذلك، يقول كعب بن مالك ﵁ وأرضاه فرحًا مستبشرًا لأن الله تاب عليه وأنزل توبته من فوق سبع سماوات، يقول: (فما حدثت نفسي بعد ذلك في أي كذب فيما بقيت من عمري، وأسأل الله أن يرزقني الثبات على ذلك إلى أن ألقاه).
فماذا قال الله تعالى بعد ذكر قصة هؤلاء الذين تاب الله عليهم؟ قال بعدها مباشرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:١١٩].
والصدق من أبرز صفات المؤمنين، ولقد برزت في أئمة أهل السنة رحمهم الله تعالى بروزًا عظيمًا.
فلماذا هي من أهم الصفات؟ لأنه ورد عن النبي ﷺ أنه سئل: (هل يكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم.
هل يكون بخيلًا؟ قال: نعم.
هل يكون كذابًا؟ قال: لا)، وهذا يعطيك أهمية الصدق في حياة المسلم، بحيث يصدق الإنسان مع ربه ﵎ ولا يخادع نفسه، فإذا خلا بنفسه بينه وبين ربه تخلى عن نظر الخلق وإعجاب الخلق ومدح الخلق وقول الخلق، إذا وقف بين يدي ربه ﷾ ليصدق مع ربه في إيمانه وفي إخلاصه وفي أعماله وفي أقواله وفي تصرفاته كلها؛ لأنه قد يخدع الخلق، لكنه لا يمكن أن يخدع ربه ﷾، يصدق مع نفسه ويصدق مع الآخرين.
يقول النبي ﷺ في الحديث المعروف: (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا)، وكيف برزت عند أئمة أهل السنة والجماعة صفة الصدق؟ برزت حينما أخذوا يبلغون وحي الله ﵎ إلى من بعدهم، القرآن محفوظ، لكن السنة النبوية دخل فيها الكذب، فقام أئمة أهل السنة والجماعة ليتحروا في هذا الجانب تحريًا شديدًا، ويكون المقياس الأساسي والشرط الأكبر لقبول الرواية مع الشروط الأخرى هو أن يكون الرجل صادقًا.
لقد بلغ من تحريهم رحمهم الله تعالى أن الإمام البخاري صاحب الصحيح رحمه الله تعالى ذهب مسافرًا إلى شيخ من الشيوخ ليروي عنه حديثًا عن رسول الله ﷺ، فدخل المدينة لا يعرف أين الشيخ، فلما دخل في أحد شوارعها وجد رجلًا مع فرس وهو يريد أن تلحق به الفرس، ووجد أنه قد رفع ثوبه كأنه يحمل في حجره شيئًا، فرأى الفرس تلحق به، فلما وصل إلى بيته أمسك بالفرس وفتح حجره وإذا به خاليًا ليس فيه شيء، فلما نظر البخاري إلى هذه الفعلة قال له: أريد فلان بن فلان.
فقال له الرجل: وماذا تريد منه؟ قال: لا أريد منه شيئًا سوى أني حدثت أنه يروي عن فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله ﷺ كذا وكذا.
وذكر الحديث، فقال هذا الرجل: أنا فلان، وحدثني فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله ﷺ أنه قال كذا.
فماذا صنع البخاري؟ البخاري أبى أن يروي عنه، وقال: إذا كان الرجل يكذب على بهيمته فأخشى أن يكذب على رسول الله ﷺ.
إذًا أئمة أهل السنة ﵏ دونوا السنة وتحروا فيها، وكان الصدق صفتهم وكان الصدق ديدنهم في جميع أمورهم رحمهم الله تعالى.
ولذلك -كما يقال-: لا تجد كذابًا إلا وقد فضحه الله ﷾، نسأل الله ﷾ أن يوفقنا للصدق في جميع أقوالنا وأفعالنا.
2 / 11