Lessons by Sheikh Yasser Burhami
دروس للشيخ ياسر برهامي
اصناف
قصة ليلة الأحزاب
يقول حذيفة ﵁: نظر النبي ﷺ إلينا واحدًا واحدًا في ليلة ما رأيت أظلم منها ولا أبرد منها قط، والريح شديدة حتى كان أحدنا لا يكاد يرى أصبعه.
قال حذيفة: فتقاصرت في الأرض كراهية أن أقوم.
فلا يريد أن يظهر لكي يكلفه النبي ﷺ بعمل لشدة الجوع وشدة البرد، يقول: ليس علي ما أتقي به البرد إلا برد لامرأتي لا يبلغ ركبتي.
وأرسل عثمان بن مظعون ابن أخته عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵃ إلى الحصون ليأتي لهم من هناك بطعام وثياب، فيأمره النبي ﷺ أن من لقيت من أصحابي فأمرهم فليرجعوا، يقول عبد الله بن عمر: فما رأيت أحدًا إلا أمرته بالرجوع، فلا يلوي أحد منهم عنقه.
أي: كانوا لا يلتفتون إلى كلام عبد الله ولا يسمعونه، بل كل متجه إلى بيته لا يريد أن يكون مع الرسول ﵊.
فعشر المسلمين فقط هم الذين ثبتوا وهم الذين بقوا مع رسول الله ﷺ، هذه هي الخلاصة التي أعز بها الله ﷿ الدين في المشارق والمغارب.
وبعد ذلك صلى النبي ﵊ صلاة طويلة ثم قال: (قد حدث في القوم حدث، فمن يأتيني بخبر القوم وله الجنة) فضمن له ﷺ الرجوع ووعده بالجنة.
ونحن نعلم حب الصحابة الشديد لرسول الله ﷺ وامتثالهم لما يرغب فيه قبل أن يأمر، ولكن كانت القلوب قد بلغت الحناجر، وكان الخوف والبرد الشديد والحصار والكرب في غايته، وكاد المشركون أن يصلوا إلى غايتهم، ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ [غافر:٥].
فلما طلب النبي ﷺ أن يأتيه رجل بخبر القوم على أن يكون رفيقه في الجنة ما قام رجل، فصلى النبي ﷺ هويًا من الليل ثم قال: (من يأتيني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة) فلم يقم أحد ثم كرر الثالثة، ثم قال: (قم يا حذيفة) وذلك لثقته به، لأنه يعلم أنه لن يعصي له الأمر المباشر، وإن كان الأمر المستحب يحتمل أن يكون متروكًا عندهم.
قال حذيفة: فما كان من طاعة رسول الله ﷺ بد، قال: (اذهب فأتني بخبر القوم ولا تحدث شيئًا حتى تأتيني)، وفي رواية مسلم: (فلا تذعرهم علي).
فذهب حذيفة ﵁، وكان الرسول ﷺ قد دعا له بقوله: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته).
قال: (فكأنما أمشي في حمام، وما خلق الله في قلبي من الخوف والقر قد خرج فلا أجد منه شيئًا).
فدخل المعسكر ونظر إلى أبي سفيان يدفئ يده ويضعها على خاصرته ويقول للناس: لينظر كل أحد منكم من جليسه.
وكأنه توقع أن يوجد في القوم من ليس منهم، فأخذ حذيفة ﵁ بيد جليسه وقال: (من أنت؟ فقال: فلان بن فلان فترك يده)، وذلك لكي لا يسبقه الرجل بقوله: من أنت.
فقال لهم أبو سفيان: ما أنتم بدار مقام، إني مرتحل فارتحلوا.
وذلك حين رآهم والريح تفعل بهم ما تفعل لا تترك لهم نارًا، ولا يستقر لهم قدر، ولا تقوم لهم خيمة، وجنود الله ﷿ تفعل بهم ما ذكر الله سبحانه في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب:٩ - ١١].
2 / 6