281

Lessons by Sheikh Nabil Al-Awadi

دروس للشيخ نبيل العوضي

اصناف

النميمة وخطرها
ما بالكم بالذي يتكلم ليفسد بين الناس فيمشي بالنميمة؟ فإن من أخطر الأمور وأكبر آفات اللسان: النميمة يأتي إلى فلان ويقول: سمعت فلانًا قال فيك كذا، وسمعت أن فلانًا صنع كذا، ويجلس حتى يفرق بين الأحبة يقول تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:١٠ - ١١] أي: يمشي بين الناس بالنميمة.
قال ابن مسعود: [والله الذي لا إله غيره ما من شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان] ويأتي عمر إلى أبي بكر فينظر إليه جاذبًا لسانه، فيقول: [مه يا أبا بكر غفر الله لك؟ فيقول: هذا الذي أوردني الموارد] من يقول هذا الكلام؟ إنه أبو بكر الذاكر، العابد، الصالح، التقي، الورع، يقول: هذا الذي أوردني الموارد، فماذا سنقول نحن؟! وفكر في لسانك اليوم فقط، هل وقعت في غيبة مسلم؟ بل قد يكون المسلم في ناحية من نواحي الأرض، في أقصى الشرق أو الغرب ونحن جالسون في هذا المجلس قد نقع في عرضه! فهل فكرت يومًا من الأيام أن تحاسب هذا اللسان؟
عمر بن الخطاب ﵁، عندما جادل النبي ﷺ في الحديبية، وهو كان يريد الحق، ويريد الرفعة لهذا الدين، قال: [أنعطي الدنية في ديننا؟] وأخذ يخاطب أبا بكر والنبي ﷺ يريد أن يقاتل الكفار حماية لهذا الدين.
انظر إلى هذه الكلمات التي قالها عمر، ظل يتذكرها إلى أن مات، وقال لمن عنده: [ما زلت أعمل لذلك أعمالًا].
يقول: أخاف أن أحاسب على تلك الكلمات، فعملت لها أعمالًا، لعل الله أن يعفو عني (واتبع السيئة الحسنة تمحها) ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة:٦ - ١١].
قال ﵊: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحِكُ بها جلساءه -كلمة في مجلس أضحك بها الجالسين- يهوي بها أبعد من الثريا) والحديث صحيح.
هذه كلمة فما بالكم بكلمتين! ما بالكم بالمجلس كله من أوله إلى آخره! يُضحك، ويكذب، ويقع في أعراض المسلمين، يتكلم بكلمات وهدفه أن يضحك بها الناس، من طلب منك أن تُضحِك الناس بما حرَّم الله؟ وهل أنت ملزم بهذا؟ وماذا ينفعك هذا المجلس عند الله سبحانه يوم القيامة؟ إذا رأيت في الصحيفة: فلان تكلمت عليه، وفلان وقعت في عرضه، وفلان سببته، وفلان اغتبته ما الذي سينفعك عند الله إن جئت بهذه الأعمال؟ فكر، فالمسألة خطيرة! ولهذا لما قال معاذ للنبي ﷺ: (وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟) أي: الخمر نؤاخذ عليه، والزنا نؤاخذ عليه، والقتل نؤاخذ عليه، هذه الأعمال علمنا أنها فواحش ومنكرات وكبائر، لكن اللسان، الذي يستهين به أكثر الناس، حتى اللسان؟ بعض المرات نمزح، نقضي المجلس، نُضحِك الناس، ولا نقصد شيئًا: (أوَنحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) ما الذي يدخل الناس النار أيها الإخوة؟! إنه اللسان، فانظر إلى خطورته.
ويقول الله تعالى في وصف عباده: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان:٧٢] اللغو: هو الكلام الذي لا ينفع، فما بالكم بالكلام الذي يضر!
إن من أخطر الكلمات التي يطلقها الإنسان شهادة الزور.
وقد حذر النبي ﷺ من الكبائر، فلما جاء إلى شهادة الزور قال الراوي: (وكان متكئًا فجلس -وقد تغير وجهه- فقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة والزور) يقول الحسن ﵀: [من كثر كلامه كثر كذبه] فالذي يكثر من الكلام في كل مجلس لغير فائدة، يكثر كذبه.
والشافعي عليه رحمة الله كان لا يتكلم إلا فيما ينفع، حتى إنه إذا تكلم لم يكن يرفع صوته، يقول ابن بنت الشافعي: ما سمعت أبي ناظر أحدًا يومًا فرفع صوته.
حتى رفع الصوت! يقول: ما رأيته يومًا يرفع صوته، والنبي ﷺ يقول: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا) كل واحد منا يحفظ الحديث، لكن من يريد منا هذا البيت في الجنة؟ وكم من الناس من يكذب ليضحك به الناس، وهو لا يشعر أنها كذبة وقد سجلت عليه.

15 / 6