Lessons by Sheikh Muhammad Al-Munajjid
دروس للشيخ محمد المنجد
اصناف
شدة الحر في يوم المحشر
قال الإشبيلي ﵀: ثم تفكر في ذلك الازدحام والانغمام، والاتساق والالتصاق، واجتماع الإنس والجن، وما يجمع من سائر أصناف الحيوان، وانضغاطهم، وتدافعهم، واختلاطهم، لا فرار ولا انتصار، ولا ملاذ ولا هروب، وقربت الشمس، وكانت قدر ميلٍ، وزيد في حرها، وضوعف في وهجها، ولا ظل إلا ظل العرش، وقد انضاف على حر الشمس حر الأنفاس لتزاحم الناس، واحتراق القلوب بما غشيها من الكروب، واشتد الفرق، وعظم القلق، وسال من الأجسام، وانبعث من كل موضع من الجسد، وكان الناس في العرق على قدر أعمالهم، فليتفكر الإنسان إذا سال عرقه، وجرى من قرنه إلى قدمه بحسب عمله، واعلم رحمك الله أنه لو سال عرقك في الدنيا طول عمرك في طاعة ربك، ورضا سيدك على ألا تعرق في ذلك اليوم، لكان ذلك يسيرًا، وهذا العرق قد جاءت فيه أحاديث عن النبي ﷺ، قال ﵊: «(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» [المطففين:٦] قال: يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه) العرق ذو الرائحة الكريهة الذي يحدث نتيجة الحر ودنو الشمس وتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض، ينزل من هذا الإنسان، وتشربه الأرض حتى يغوص فيها سبعين ذراعًا، قال ﵊: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا) وهذا عمق العرق تحت؛ أما فوق، فقال ﵊: (ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم) وهذا في حق الكفرة الفجرة، وقال ﷺ مبينًا ما يحدث: (حتى إن السفن لو أجريت فيه لجرت) قال الهيثمي: إسناده جيد، وقال ﵊: (إن الكافر ليحاسب يوم القيامة حتى يلجمه العرق، حتى إنه يقول: أرحني ولو إلى النار) وكذلك قال ابن مسعود ﵁ وأرضاه، قال: [إن الرجل ليفيض عرقًا حتى تسيخ في الأرض قامته، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب، قالوا: ممَ ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: مما يرى الناس مما سيلقونه] قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وهكذا تدنو الشمس من العباد، ثم إن جهنم يؤتى بها أيضًا، ليزداد الحر حرًا، يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها، أربعة آلاف وتسعمائة مليون ملك يجرون جهنم، ويزداد الحر حرًا، ولا ينجو إلا من عصم الله، فهل أعددنا لذلك اليوم من عدة؟ وهل تبنا وقمنا بما يلزم من التوبة؟ وهل تركنا المعاصي وعدنا إلى الله رجاء النجاة في ذلك اليوم؟ اللهم اجعلنا في يوم الفزع من الآمنين، واغفر لنا أجمعين، وأظللنا في ظل عرشك يا كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
2 / 7