221

Lessons by Sheikh Abdullah Hammad Al Rassi

دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي

اصناف

الحذر من الانغماس في الحياة الدنيا واعلم أن من آثر الحياة الدنيا، فإن له وعيدًا شديدًا، وقبل أن نقرأ هذا الوعيد الشديد يقول البعض من الناس: أتريدنا أن نلزم المساجد، ونقضي وقتنا في ذكر وقراءة قرآن ونموت جوعًا، فإن عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه يقول: [[إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضةً]]. نقول لك: أنت أفتيت نفسك جزاك الله خيرًا، صحيح أن عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه قال: [[السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضةً]] وأمرت ببذل الأسباب، ولكن الذي أريد منك، وأريد من نفسي المقصرة الأمارة بالسوء أن نقتصد في طلب الدنيا، وأن نجعل الدنيا في أيدينا ولا نجعلها في قلوبنا، وإلا فما مرضت القلوب وقست إلا لأن الدنيا نزلت فيها، وصارت الآخرة في أيدينا. نعم. ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى:١٦ - ١٧] فعليك -يا عبد الله- أن تستعين بالله ﷿، وأن تفعل الأسباب، وأن تطلب الرزق الحلال كما قال بعض السلف رحم الله: خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن ثم يقول الشافعي ﵀: وما هي إلا جيفةٌ مستحيلةٌ عليها كلاب همّهنَّ اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها هذه الدنيا عرف قدرها السلف الصالح رحمة الله عليهم، فلماذا عمر ﵁ وأرضاه يأكل خبز الشعير مع الزيت وهو الخليفة الراشد الذي مفاتيح خزائن بيت مال المسلمين بيده؟ ولماذا رسول الله ﷺ مات وما شبع من الدقل يومًا؛ وهو رديء التمر؟ لماذا مات رسول الله ﷺ ودرعه مرهونةٌ على شعير عند يهودي؟ كل هذا لعدم الاعتناء بالدنيا، وهل ماتوا جوعًا قبل أن يأتيهم الأجل؟ لا. والله ما ماتوا جوعًا قبل أن يأتيهم الأجل، لو كان الجوع يميت أحدًا لمات أبو هريرة ﵁ وأرضاه، يقول: [[كنت أخر صريعًا من الجوع، ويطوى عنقي ويحسبون أن بي جنونًا ووالله ما بي إلا الجوع]]. الله أكبر! الله أكبر يا عباد الله! ومع هذا فتحوا الفتوحات وحفظوا لنا ميراث رسول الله ﷺ، أما نحن ولا حولا ولا قوة إلا بالله! مع كثرة ما بسط لنا من زينة الحياة الدنيا تجدنا مقصرين في طاعة الله ﷿، فهذا رسول الله ﷺ يقوم حتى تتفطر قدماه، وتقول له عائشة ﵂: ﴿لمَ تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا﴾ ثم يقول ﷺ في موعظة: ﴿لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا﴾ وأيضًا يقول ﷺ: ﴿كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر﴾ أي: متى يؤمر بنفخ الصور. فيا عبد الله: قدر لهذه الدنيا قدرها، وأخرجها من قلبك، واحتقرها، واجعلها في يديك، واعمل واكتسب الأرزاق بقصدٍ، واعقد النية في عملك هذا أن تستعين به على طاعة الله ﷿. يقول البعض من الإخوان: لقد كان بعض الصحابة أغنياء، فلماذا تُحذِّرون من الدنيا؟ فنقول له: تعال -يا عبد الله- لنجلس قليلًا حتى نرى ما هي حالة الصحابة ﵃، هذا عبد الرحمن بن عوف ﵁ وأرضاه أتته قوافلٌ كثيرةٌ من العراق، وقد أصاب المدينة مجاعةٌ عظيمةٌ، فأتاه التجار يريدون أن يشتروها منه بثمنٍ كثير، فقال: قد بعتها، ويريد أنه باعها من الله ﷿، الذي من تاجر معه ربح، هؤلاء الصحابة ﵃، أما نحن، فأغنياؤنا يتحيَّنون فرص الغلاء فيدخرون ما عندهم حتى يحتكروه ويضيقوا الخناق على الآخرين، والبعض من الأغنياء يحارب الله ورسوله علانيةً بالربا، كل ذلك حبًا للدنيا والدينار -نسأل الله العفو والعافية- ونسي قول رسول الله ﷺ: ﴿ومن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرَّج الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة﴾ أو كما قال ﷺ، ونسي قوله ﷺ: ﴿ومن يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة﴾. فهل تحققنا ذلك يا عبد الله؟ لو تحققنا ذلك وآمنا وملأ الإيمان قلوبنا لاشتقنا إلى الآخرة، واشتقنا إلى جنة عالية قطوفها دانية، والرسول ﷺ يقول: ﴿لا تنسوا العظيمتين﴾ وهل العظيمتان أمريكا والروس كما يزعم الناس؟ لا. العظيمتان: الجنة والنار يا عبد الله! تذكر الجنة والنار، تذكر إذا انصرف الناس هل يؤخذ بك ذات اليمين إلى الجنة، أو يؤخذ بك ذات الشمال إلى النار تذكر يا عبد الله!

15 / 7