محاضرات في علوم الحديث
د. ماهر ياسين الفحل
المحاضرة الأولى الحديث الصحيح ........ ١٥/٥/١٤٢٥ هـ
الحديث الصحيح: هو ما اتصل إسناده برواية عدلٍ تمَّ ضبطهُ عن مثلهِ إلى منتهاه، ولم يكن شاذًا ولا معلًا.
فيظهر من هذا التعريف أن شروط صحة الحديث خمسة:
الأوّل: الاتصال، وهو سماع الحديث لكل راوٍ من الراوي الذي يليه.
ويعرف الاتصال بأحد أَمرين: الأول أن يصرح الراوي بإحدى صيغ السّماع كأن يقول الراوي: حدثنا، أو حدثني، أو أَخبرنا، أو أخبرني، أو أَنبأنا، أو أنبأني، أو سمعت، أو قال لي، أو قال لنا، أو نحوها من صيغ السماع.
الثاني: أن يأتي الراوي بصيغةٍ تحتمل السّماع وغير السّماع، كأن يقول الراوي: عن، أو أن، أو
قال، أو حدث، أو روى، أو ذكر، وغيرها من الصيغ التي تحتمل السّماعَ وعدم السّماع.
فهنا تشترط ثلاثة أمور:
الأول: عدم التدليس.
الثاني: المعاصرة.
الثالث: ثبوت السّماع.
وقد اكتفى مسلم بالشرطين الأوليين، أما الشرط الثالث فقد اشترطه البخاري، وشيخه علي بن المديني، واشتراطه قول جمهور أهل العلم.
وباشتراط الاتصال يخرج المنقطع، والمعضل، والمعلق، والمدلس، والمرسل.
أما الشرط الثاني: فهوَ العدالة: وهي هيئة راسخة في النفس تمنح صاحبها عدم فعل الكبائر، وَعدم الإصرار على الصغائر، وَعدم فعل ما يخرم المروءة.
أمّا الشرط الثالث: فهو الضبط: وهو تيقظ الراوي حين تحمله وفهمه لما سمعه، وضبطه لذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء.
والضبط ضبطان: ضبط صدرٍ، وضبط كتاب، ويلخص مما ذكر في الضبط بقولنا: أنْ يكون الراوي حافظًا عالمًا بما يرويه، إن حدث من حفظه، فاهمًا إن حدث على المعنى، وحافظًا لكتابه من دخول التحريف أو التبديل، أو النقص عليه إن حدث من كتابه.
1 / 1
وفي اشتراط الضبط احترازٌ عن حديث المغفل، وكثير الخطأ، وسيئ الحفظ، والذي يقبل التلقين. وهذه الشروط (الاتصال، العدالة، الضبط) الثلاثة تتعلق بالإسناد.
أما الشرط الرابع: فهو عدم الشذوذ، والحديث الشاذ (١) هو الذي خالف فيه راويه من هو أوثق منه عددًا أو حفظًا.
أمّا الشرط الخامس: فهو عدم العلة هو أنْ لا يكون الحديث معلًا، والحديث المعل (٢)
_________
(١) مثاله ما رواه عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه» فقد أخطأ عبد الواحد بن زياد وشذّ حينما جعل الحديث من قول النبي ﷺ والصواب أنه من فعله هكذا رواه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عند ابن ماجه (١١٩٩)، والنسائي في الكبرى (١٤٥٦)، وكذا رواه محمد بن إبراهيم، عن أبي صالح عند البيهقي ٣/٤٥.
وقد صرح جمع من الأئمة بشذوذ رواية عبد الواحد بن زياد منهم البيهقي في السنن الكبرى ٣/٤٥ فقال عن رواية الفعل: «وهذا أولى أن يكون محفوظًا لموافقته سائر الروايات عن عائشة وابن عباس»، وكذا نقل الحكم بالشذوذ ابن القيم عن شيخه ابن تيمية في زاد المعاد ١/٣٠٨ فقال: «هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر بها، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه» . وبنحو هذا قال الذهبي في الميزان ٢/٦٧٢. وهذا الشذوذ في جميع المتن، وهناك شذوذ ببعض المتن كزيادة التسمية في حديث أنس في الوضوء.
(٢) مثاله ما رواه شعبة عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: «أن النبي ﷺ قرأ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فقال: آمين، وخفض بها صوته» .
وهذا الحديث فيه ثلاث علل نص عليها البخاري فيما نقله عنه الترمذي في الجامع عقب (٢٤٨) فقال: «سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في مواضع من هذا الحديث، فقال: عن حُجر أبي العنبس، وإنما هو حجر بن عنبس، ويكنى ابا السكن، وزاد فيه: عن علقمة بن وائل، وليس فيه عن علقمة، وإنما هو حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، وقال: «وخفض بها صوته» وإنما هو «ومدّ بها صوته» .
ورواية سفيان الصحيحة هي ما قال فيها: عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، قال: سمعت النبي ﷺ قرأ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾، فقال: «آمين»، ومدّ بها صوته.
أقول: ومما يرجح رواية سفيان أنه قد توبع على ذلك تابعه العلاء بن صالح الأسدي ومحمد بن سلمة قال الترمذي
: «وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث؟ فقال: حديث سفيان في هذا أصح، وقال: وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان» .
1 / 2
هو ما اطلع فيه على علةٍ خفيةٍ تقدح في صحته، مع أنْ الظاهر سلامة الحديث من العلة.
وينقسم الحديث الصحيح إلى قسمين: صحيح لذاته وصحيح لغيره، فالصحيح لذاته هو ما تقدم تعريفه، وقلنا: لذاته؛ لأن صحته ناشئة من نفسه دون إضافة شيء.
أما الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن الذي ارتقى بمتابع أو شاهد.
وقد تكلم العلماء في أصح الأسانيد فقيل: أصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وقيل: الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود.
وقيل: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
وقيل: محمد بن سيرين، عن عَبيدة بن عمرو السلماني عن علي.
وهذه تنفع عند الاختلاف، فما قيل فيه: أصح الأسانيد يرجح على غيره، وكذا يعرف به صحة الحديث.
وإذا قال المحدثون: صحيح الإسناد، أو إسناده صحيح، فهذا معناه: أنْ الحديث قد استكمل شروط الصحةِ الثلاثةِ الأولى، ولا يلزم منه أن يكون صحيحًا؛ إذ قد يكون شاذًا أو معلًا فلا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، ولا من ضعف الإسناد ضعف المتن.
وإذا قال المحدثون: أصحُ شيءٍ في الباب فلا يعنون صحته، وإنما يعنون أنه أمثل شيءٍ في الباب.
أما أول من صنّف في الصحيح المجرد فهو الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المولود سنة (١٩٤ هـ)، والمتوفى سنة (٢٥٦ هـ)، وقد طلب العلم صغيرًا وله أحد عشر عامًا، وكان من أوعيةِ العلم، وكتابه أصحُ كتابٍ بعد كتاب الله، واسم الكتاب " الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننهِ وأيامهِ ".
ويستفاد من قوله: (الجامع) أنه يجمع الأحكام والفضائل والأخبار عن الأمور الماضية، والآتية، والآداب، والرقائق، والتفسير.
ويستفاد من قوله: (الصحيح) أنه احترز عن إدخال الضعيف في كتابهِ، وقد صح عن الإمام البخاري أنّه قال: «ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح» .
1 / 3
ومن قوله: (المسند) أن مقصوده الأصلي تخريج الأحاديث المتصل إسنادها بالصحابةِ إلى رسول الله ﷺ من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، وأنّ ما وقع في الكتاب من غير ذلك فإنما وقع تبعًا وعرضًا لا أصلًا ومقصودًا، وذكر للاستشهاد والاستئناس ليكون الكتاب جامعًا لمعاني الإسلام.
ثمَّ تبعه بجمع الصحيح تلميذه وخريجه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النَّيْسابوري المتوفى سنة
(٢٦١هـ)، وقد استفاد من شيخه البخاري، وفاق البخاريَّ من حيث التبويب، والترتيب، والجمع، والتنسيق، وكتاب البخاري أجود من حيث الصحة على رأي الجمهور.
هل استوعب الصحيحان جميع الصحيح؟
لم يستوعب الصحيحان جميع الصحيح، ولم يريدا ذلك، فقد قال البخاري: «تركت من الصحاح لحالِ الطولِ»، وقال الإمام مسلم: «ليس كل شيء عندي صحيح وَضعته هاهنا» .
وَيوجد في كتب العلم تصحيح للإمام البخاري ومسلم لكثيرٍ من الأحاديث، وتوجد كتب أخرى التزم مصنفوها الصحة لكنهم وقعوا في بعض الأخطاء منهم ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن السكن، والضياء في المختارة.
المحاضرة الثانية تتمات الصحيح ٢٣/ جمادي الأولى /١٤٢٥
المستخرجات: جمع مستخرج، وموضوع المستخرج، هو: أن يأتي المصنفُ إلى كتابٍ من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معهُ في شيخه أو من فوقهُ.
وشرطهُ: أن لا يصل إلى شيخٍ أبعد حتى يفقد سندًا يوصلهُ إلى الأقرب إلا لعذرٍ من علوٍ أو زيادة مهمة.
والمستخرجات على الصحيحين، وعلى غيرهما.
فعلى صحيح البخاري: مستخرج الإسماعيلي، ومستخرج البرقاني، ومستخرج الغطريفي، ومستخرج ابن أبي ذهل، ومستخرج أبي بكر ابن مردويه.
وعلى صحيح مسلم: مستخرج أبي عوانة، ومستخرج أبي جعفر بن حمدان، ومستخرج أبي بكر محمد بن رجاء النيسابوري، ومستخرج أبي بكر الجوزقي، ومستخرج أبي حامد
1 / 4
الشاذلي، ومستخرج أبي الوليد حسّان بن محمد القُرشي، ومستخرج أبي عمران موسى بن عباس الجويني، ومستخرج أبي نصر الطوسي، ومستخرج أبي سعيد بن أبي عثمان الحيري.
أما المستخرجات على كلا الصحيحين: فالمستخرج لأبي نعيم الأصبهاني، ومستخرج أبي
عبد الله بن الأخرم، ومستخرج أبي ذر الهروي، ومستخرج أبي محمد الخلال، ومستخرج أبي علي الماسرجسي، ومستخرج أبي مسعود سليمان بن إبراهيم الأصفهاني، ومستخرج أبي بكر اليزدي، ومستخرج أبي بكر بن عدنان الشيرازي.
وهناك مستخرجات على غير الصحيحين، منها: المستخرج لمحمد بن عبد الملك بن أيمن على سنن أبي داود، ومستخرج أبي علي الطوسي على جامع الترمذي، ومستخرج أبي نُعيم على التوحيد لابن خزيمة.
وأصحاب المستخرجاتِ لم يلتزم فيها مؤلفوها موافقة الصحيحين في الألفاظ؛ لأنَّهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم؛ فحصل فيها تفاوت قليل في اللفظ، وفي المعنى، وكذا ما رواه البيهقي والبغوي في كتبهم لا سيّما السنن والمعرفة وشرح السُنة، قائلين: رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى وفي الألفاظ، فمرادهم بقولهم ذلك: أنَّهما رويا أصل الحديثِ دون اللفظ الذي أورده؛ فعلى هذا لا يجوز لك أن تنقل من الكتب المذكورة وتقول فيه: هو في الصحيحين إلا أنْ تقابله بهما.
فوائد المستخرجات:
١- علو الإسناد.
٢- القوة عند كثرة الطرق للترجيح عند المعارضة.
٣- الرواية عن مختلطين قبل الاختلاط.
٤- الرواية عن المدلسين مع التصريح بالسماع.
٥- بيان المهملين والمبهمين.
٦- التمييز فيها للمتن المحال به على المتن المحال عليه، وهو في صحيح مسلم كثير.
لذا قال الحافظ ابن حجر: «كل علة أُعلت في الصحيحين جاءت رواية المستخرج سالمةٍ
منها» على أنَّ هذا القول ليس على إطلاقه، فليعلم.
مثال الحديث الصحيح
1 / 5
ما رواه الترمذي في شمائل النبي ﷺ (٢٠٨) قال: حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا ابن
المبارك، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: سقيتُ النبي ﷺ من زمزم فشرب، وهو قائم.
فهذا حديث صحيح قد استوفى شروط الصحة، فالترمذي صرح بالسماع من شيخه علي بن حجر، وعلي بن حجر صرح بالسماع من شيخه عبد الله بن المبارك، أما عنعنة ابن المبارك في روايته عن شيخه عاصم الأحول فهي محمولة على الاتصال هنا؛ لأنَّ ابن المبارك سماعه معروف من عاصم وروايتة عنه في صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتاب النسائي، وهو يذكر في تلاميذ عاصم، وعاصم مذكور في شيوخ ابن المبارك وهو غير مدلسٍ، وكذلك عنعنة عاصم عن الشعبي محمولة على الاتصال فعاصم ليس مدلسًا ومعروف بالرواية عن الشعبي وروايته عنه في الكتب الستة، والشعبي من شيوخ عاصم، وعاصم من تلاميذ الشعبي، وكذلك الشعبي في روايته عن ابن عباس فالشعبي ليس مدلسًا وهو معروف بالرواية عن ابن عباس، وروايته عنه في الكتب الستة.
فمن خلال هذا العرض السريع يتبين لنا أنَّ هذا الحديث قد استوفى شرط الاتصال.
أما الشرط الثاني والثالث فعليُّ بن حجر قال عنه ابن حجر في التقريب (٤٧٠٠): «ثقة حافظ» . فهذا قد جمع بين العدالة والضبط.
أما عبد الله بن المبارك فقد قال عنه الحافظ في التقريب (٣٥٧٠): «ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير» . فهذا أيضًا قد جمع بين العدالة والضبط.
أما عاصم بن سليمان الأحول فقد قال عنه الحافظ بالتقريب (٣٠٦٠): «ثقة» . فكذلك قد جمع بين العدالة والضبط.
أما الشعبي فهو عامر بن شراحيل الشعبي فقد قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (٣٠٩٢): «ثقة مشهور فقيه فاضل» . فكذا قد جمع بين العدالة والضبط.
1 / 6
فالحديث الآن قد استكمل ثلاثة شروط، وهي: الاتصال والعدالة والضبط؛ فصار إسناد الحديث صحيحًا، وبقي علينا أنَّ نبحث هل في الحديث شذوذًا أو علة؟ فبعد البحث لم نجد في الحديث شذوذ ولا علة فصار الحديث صحيحًا.
أما الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن الذي توبع راويه فارتقى من الحسن إلى الصحة مثل حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فمحمد بن عمرو صدوق حسن الحديث، وقد توبع متابعات تامة ونازلة، فارتقى حديثه من حيز الحسن إلى حيز الصحة قال ابن الصلاح: «محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنَّه لم يكن من أهل الإتقان حتّى ضعّفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته. فحديثه من هذه الجهة حسن، فلما انضم إلى ذلك. كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النقص اليسير، فصح هذا الإسناد، والتحق بدرجة الصحيح» .
ما هو المحكوم بصحته من أحاديث الصحيحين؟
المحكوم بصحته من أحاديث الصحيحين هو ما روياه بالإسناد المتصل أما ما روي معلقًا فهو ليس من نمط الصحيح، إنما ذكر استشهادًا واستئناسًا؛ ليكون الكتاب جامعًا لمعاني الإسلام، والمعلقاتُ في البخاري كثيرةٌ بلغت (١٣٤١) معلقًا منها (١٥٩) مرفوعًا والبقية موقوفاتٌ ومقاطع وفي مسلم المعلقاتُ قليلةٌ بلغت (١٢) معلقًا وذكر بعض العلماء أن ما ذكره البخاري بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علقه إليه ويبقى النظر فيمن أُبرز من رجاله.
المحاضرة الثالثة الحديث الحسن ١ / جمادى الثانية / ١٤٢٥
1 / 7
الحديث الحسن: وسطٌ بين الصحيح والضعيف، قال ابن القطّان في " بيان الوهم والإيهام " (١١١٨): «الحسن معناه الذي له حال بين حالي الصحيح والضعيف» وبنحوه قال عقيب (١١٧٣) . وقال عقيب (١٤٣٢): «ونعني بالحسن: ما له من الحديث منْزلة بين منْزلتي الصحيح والضعيف، ويكون الحديث حسنًا هكذا؛ إما بأن يكون أحد رواته مختلفًا فيه، وثقّه قوم وضعّفه آخرون، ولا يكون ما
ضعّف به جرحًا مفسرًا، فإنّه إن كان مفسرًا قدّم على توثيق من وثّقه، فصار به الحديث ضعيفًا»؛ ولما كان كذلك عَسُر على أهل العلم تعريفه.
قال الحافظ ابن كثير: «وذلك لأنّه أمر نسبيٌ، شيءٌ ينقدح عند الحافظ، ربّما تقصر عبارته عنه» (اختصار علوم الحديث: ٣٧) .
وقال ابن دقيق العيد: «وفي تحرير معناه اضطرابٌ» . (الاقتراح: ١٦٢) .
وذلك لأنّه من أدق علوم الحديث وأصعبها؛ لأنّ مداره على من اخُتلف فيه، وَمَن وهم في بعض ما يروي. فلا يتمكن كل ناقدٍ من التوفيق بين أقوال المتقدّمين أو ترجيح قولٍ على قولٍ إلا من رزقه الله علمًا واسعًا بأحوال وقواعد هذا الفن ومعرفةٍ قوية بعلم الجرح والتعديل، وأمعن في النظر في كتب العلل، ومارس النقد والتخريج والتعليل عمرًا طويلًا، ومارس كتب الجهابذة النقاد حتى اختلط بلحمه ودمه، وعرف المتشددين والمتساهلين من المتكلمين في الرجال، ومن هم وسطٌ في ذلك؛ كي لا يقع فيما لا تحمد عقباه؛ ولذلك قال الحافظ الذهبي: «ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدةً تندرج كل الأحاديث الحسان فيها؛ فأنا على إياسٍ من ذلك، فكم من حديثٍ تردد فيه الحفاظ هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ؟» .
(الموقظة: ٢٨) .
1 / 8
وللحافظ ابن حجر محاولةٌ جيّدةٌ في وضعه تحت قاعدة كليةٍ فقد قال في النخبة: «وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تامّ الضبط، متصل السند غير معللٍ ولا شاذٍ: هو الصحيح لذاته ... فإن خفّ الضبط، فالحسن لذاته» . (النخبة ٢٩، ٣٤) .
وهي محاولةٌ جيدةٌ. وقد مشى أهل المصطلح على هذا من بعده. وحدّوا الحسن لذاته: بأنه ما اتصل سنده بنقل عدلٍ خف ضبطه من غير شذوذٍ ولا علةٍ» . وشرط الحسن لذاته نفس شرط الصحيح، إلا أنّ راوي الصحيح تامّ الضبط، وراوي الحسن لذاته خفيف الضبط. وسمّي حسنًا لذاته؛ لأنّ حسنه ناشئ عن توافر شروط خاصّة فيه، لا نتيجة شيء خارج عنه.
وقد تبين لنا: أنَّ راوي الحسن لذاته هو الراوي الوسط الذي روى جملة من الأحاديث، فأخطأ في بعض ما روى، وتوبع على أكثر ما رواه؛ فراوي الحسن: الأصل في روايته المتابعة والمخالفة، وهو الذي يطلق عليه الصدوق، لأنّ الصدوق هو الذي يهم بعض الشيء فنزل من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق. فما أخطأ فيه وخولف فيه فهو من ضعيف حديثه، وما توبع عليه ووافقه من هو بمرتبته أو أعلى فهو من صحيح حديثه. أما التي لم نجد لها متابعة ولا شاهدًا فهي التي تسمّى بـ (الحسان)؛ لأنّا لا ندري أأخطأ فيها أم حفظها لعدم وجود المتابع والمخالف؟
وقد احتفظنا بهذه الأحاديث التي لم نجد لها متابعًا ولا مخالفًا وسمّيناها حسانًا؛ لحسن ظننا بالرواة؛ ولأنّ الأصل في رواية الراوي عدم الخطأ، والخطأ طارئٌ؛ ولأنّ الصدوق هو الذي أكثر ما يرويه مما يتابع عليه. فجعلنا ما تفرد به من ضمن ما لم يخطأ فيه تجوزًا؛ لأنَّ ذلك هو غالب حديثه، ولاحتياجنا إليه في الفقه. وبمعنى هذا قول الخطّابي: «... وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء» .
1 / 9
ولا بأس أن نحد ذلك بنسبة مئوية فكأنّ راوي الحسن من روى - مثلًا لا حصرًا - مائتي حديث، فأخطأ في عشرين حديثًا وتوبع في ثمانين. فالعشرون التي أخطأ فيها من ضعيف حديثه. والثمانون التي توبع عليها من صحيح حديثه. أما المائة الأخرى وهي التي لم نجد لها متابعًا ولا مخالفًا فهي من قبيل (الحسن) . ومن حاله كهذا: عاصم بن أبي النجود، فقد روى جملة كثيرة من الأحاديث فأخطأ في بعض وتوبع على الأكثر فما وجدنا له به متابعًا فهو صحيح، وما وجدنا له به مخالفًا أوثق منه عددًا أو حفظًا فهو من ضعيف حديثه. وما لم نجد له متابعًا ولا مخالفًا فهو (حسن) . وممن حاله كحال عاصم: «عبيدة بن حميد الكوفي، وسليمان بن عتبة وأيوب ابن هانئ، وداود بن بكر بن أبي الفرات، ومحمد بن عمرو بن علقمة، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، ويونس بن أبي إسحاق، وسماك بن حرب» .
وهذا الرأي وإن كان بنحو ما انتهى إليه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلا أننا لم نجد من فصّله هكذا. وهو جدير بالقبول والتداول بين أهل العلم. وقد يتساءل إنسانٌ بأن من قيل فيهم: صدوق أو حسن الحديث قد اختلف المتقدمون في الحكم عليهم تجريحًا وتعديلًا. وجواب ذلك: أنّ الأئمة النقاد قد اطّلعوا على ما أخطأ فيه الراوي وما توبع عليه فكأنَّ المُجَرِّح رأى أن ما خولف فيه الراوي هو الغالب من حديثه، والمُعَدِّل كذلك رأى أن ما توبع عليه هو غالب حديثه فحكم كلٌّ بما رآه غالبًا، غير أنا نعلم أنَّ فيهم متشددين يغمز الراوي بالجرح وإن كان خطؤه قليلًا، ومنهم متساهلين لا يبالي بكثرة الخطأ، وعند ذلك يؤخذ بقول المتوسطين المعتدلين.
ولذا نجد الحافظ ابن عدي في الكامل، والإمام الذهبي في الميزان يسوقان أحيانًا ما أنكر على الراوي الوسط ثم يحكمان بحسن رواياته الأخرى، والله أعلم.
1 / 10
وعلى هذا فالحديث الحسن: ما رواه عدل خف ضبطه عن مثله إلى منتهاه ولم يكن شاذًا ولا معلًا. وهذا هو الحسن لذاته. وهو يستوفي نفس شروط الصحيح خلا الضبط فراوي الصحيح تام الضبط وراوي الحسن خفيف الضبط.
أما الحسن لغيره: فهو الحديث الضعيف الذي تقوى بمتابعة أو شاهد.
مثال الحسن لذاته: حديث محمد بن عمرو السابق، لو لم يتابع لكان سند الحديث حسنًا لذاته فلما توبع ارتقى إلى الصحيح لغيره.
ومثاله أيضًا ما رواه الترمذي في شمائل النبي ﷺ (٢٣٧)، قال: حدثنا عباس بن محمد الدُّوري، قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا. قال: «إني لا أقولُ إلا حقًا» .
وهذا حديثٌ حسنٌ لذاته من أجل أسامة بن زيد الليثي فهو خفيف الضبط، وهو صدوقٌ حسن الحديث.
أما الحسن لغيره فمثاله: فمثاله ما رواه الترمذي في شمائل النبي ﷺ (٢٤٧) قال: حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا شَرِيك، عن سِماك بن حرب، عن جابر بن سَمُرة، قال: جالستُ النبيَّ ﷺ أكثر من مئة مرة وكان أصحابه يتناشدونَ الشِّعْرَ ويتذاكرون أشياءَ من أمر الجاهلية، وهو ساكتٌ وربما تَبَسَّمَ معهم.
فهذا حديثٌ حسنٌ لغيره؛ فإن شريك بن عبد الله ضعيفٌ عند التفرد بسبب سوء حفظه، لكن تابعه في هذا الحديث زهير أبو خيثمة فارتقى حديثه هذا من حيز الضعف إلى درجة الحسن
مظان الحديث الحسن:
1 / 11
كثيرٌ من كتب الحديث هي مظان الحديث الحسن، ومنها: سنن أبي داود وجامع الترمذي، وقد أكثر الترمذي من ذكره، وقد ظن بعضهم أنَّ كل حديثٍ سكت عنه أبو داود فهو حديثٌ حسن أو صحيح، وهذا خطأ وقد اعتمدوا في ذلك على ما نسبه بعضهم لأبي داود: «وما سكت عنه فهو حسن» وهذا لم يصح عن أبي داود إنما قال أبو داود: «ذكرتُ في كتابي هذا الصحيح وما يشابهه وما يقاربه وما كان في كتابي من حديثٍ فيه وهنٌ شديدٌ فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهوصالح» وكلمة صالح تشمل صلاحية الاحتجاج وصلاحية الاعتبار، ويستفاد من قوله: «وهن شديد» أن ما كان وهنًا يسيرًا لا يبينه، ثم إنه يضعف راويًا فإذا تكرر في حديثٍ آخر يسكت عنه لسبقه الكلام عنه، ثم إنَّ روايات السنن مختلفة وفي بعضها من الكلام على الأحاديث والرواة ما لا يوجد في الأخرى، وأبو عبيد الآجري في سؤالاته ينقل تضعيف أبي داود لبعض الأحاديث، وهو قد سكت عنها في السنن.
المحاضرة الرابعة الحديث الضعيف ٧/جمادى الآخرة ١٤٢٥
الحديث الضعيف: هو ما لم يجمع صفات القبول.
وصفات القبول: ١_ الاتصال. ٢_ العدالة. ٣_ الضبط إن كان تامًا أو خفيفًا. ٤_ عدم الشذوذ.
٥ - عدم العلّة. ٦_ وجود العاضد إن احتيج إليه.
فكل حديث فقد شرطًا من هذه الشروط، أو أكثر فهو ضعيف، ويتفاوت الضعف، فكلما فُقدَتْ شروط أكثر كلما ازداد الحديث ضعفًا.
ويتنوع الضعيف إلى أنواع عدة، منها: المقلوب، والشاذ، والمعلّ، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، والمدلَّس، والمنكر، والمتروك، والمدرج، والمصحف، والمحرف.
متى يتقوى الحديث الضعيف؟
ليس كل حديث ضعيف يتقوى بالمتابعات والشواهد؛ فإنَّ بعض الأحاديث يتقوى بذلك، إذا كان الضعف يسيرًا؛ مثل: الغفلة، وكثرة الغلط لمن كان حديثه كثيرًا، وسوء الحفظ، والاختلاط، وغيرها من أسباب الضعف غير الشديدة.
1 / 12
ونستطيع أن نُقَعّد لذلك قاعدة، وهو: أنّ كل ما كان ضعفه بسبب عدم ضبط راويه الصدوق الأمين - الذي لم تثلم عدالته - فإنّ كثرة الطرق تقويه؛ فتنفعه المتابعات والشواهد، ويجبر ضعفه بمجيئه من طريق آخر، ونستفيد من تلك الطرق المقوية أنَّ حفظ الراوي الأول لم يختلَّ في هذا لحديث خاصة، بل إنَّه حفظ هذا الحديث؛ بدليل المتابعات، أو الشواهد، وبهذا يرتقي من درجة الضعيف إلى درجة الحسن لغيره.
ويضاف إلى هذا: ما كان ضعفه لإرسال، أو عنعنة مدلس، أو لجهالة حال بعض رواته، أو لانقطاع يسير؛ فإنَّ هذا الضعف يزول بمجيئه من طريق آخر، ويصير الحديث حسنًا لغيره؛ بسبب العاضد الذي عضده.
أمّا إذا كان الضعف شديدًا، فهذا لا تنفعه المتابعات ولا الشواهد، ولا يرتقي حديثه عن درجة الضعيف، ومثل هذا: من وصف بالكذب، أو اتهم فيه، وكذلك من وصف بالفسق، وكذلك الهلكى، والمتروكين، وشديدي الضعف، فمن كان ضعفه هكذا لا تؤثر فيه كثرة الطرق، ولا يرتقي عن درجة الضعيف؛ لشدّة سوء أسباب هذا الضعف، وتقاعد الجابر عن جبره، وهذه تفاصيل تدرك بالمباشرة، قال الحافظ ابن حجر في النزهة: «ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله، لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز والمستور، والإسناد المرسل وكذا المدَّلس إذا لم يعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسنًا، لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابَع لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابًا، أو غير صواب على حدٍ سواء» .
حكم العمل بالحديث الضعيف.
يعمل بالحديث الضعيف بشروط:
أولًا: أن لا يكون في الأحكام.
ثانيًا: أن لا يكون في العقائد.
ثالثًا: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذّابين، والمتهمين بالكذب، ومن فحش غَلَطُه.
رابعًا: أن يندرج تحت أصل معمول.
خامسًا: أن لا يُعتَقَدَ عند العمل ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
1 / 13
هذا هو مذهب الجمهور في هذه المسألة، انظر لذلك: " فتح المغيث " (١/ ٢٦٧-٢٦٨ - دار الطبري) . والتدريب (١/ ٢٩٨-٢٩٩) وغيرهما، والقول المنيف (ص ٤٨-٥٢)، وذهب جمعٌ من المحققين إلى خلاف هذا القول، فذهب الإمام ابنُ حزم ﵀ وابن معين - فيما حكاه عنه ابن سيد الناس - وأبو بكر بن العربي - نسبه إليه في فتح المغيث - وأبو شامة المقدسي الشافعي، والشهاب الخفاجي والجلال الدواني. ومن المعاصرين الشيخ أحمد شاكر والعلامة الألباني - رحمهم الله تعالى - إلى عدم العمل بالحديث الضعيف مطلقًا لا في الفضائل ولا في الأحكام، والظاهر والأحوط أن الضعيف لا يعمل به مطلقًا، فالشروط التي ذكرها الأكثرون نظرية غير عملية، فلازم الشرط الثالث رد بعض الضعيف والأخذ ببعضه، وأما الشرط الرابع فهو نظري فقط، إذ ممكن ان يقال: لماذا لا يعمل بالأصل العام؟
فلا يُحتاج حينئذ للعمل بالضعيف، والشرط الخامس من الممكن أن يجاب عنه بالقول بأن الأحوط هو ترك العمل بالضعيف، فكم من حديث ضعيف عمل به ثم أصبح بمنزلة الثابت عند عوام الناس بل وخواصهم.
كيف يروى الحديث الضعيف؟
من أراد أن يروي حديثًا ضعيفًا، فعليه أن يبين ضعف ذلك الحديث، وإذا لم يُبَيّنه، فعليه أن يذكره بصيغة التمريض، وهي التي تدل على الشك في صحته (نحو: يروى، أو يذكر، أو جاء في بعض المواعظ، أو نُقلَ، أو جاء، أو قيل، أو روي، أو بلغنا، أو روى بعضهم) .
وكما يكره أن يذكر الحديث الضعيف بصيغة الجزم (نحو: قال رسول الله ﷺ، أو فعل، أو أقرَّ ونحو ذلك)، فكذلك يكره أن يذكر الحديث الصحيح بصيغة التمريض.
هل يلزم من ضعف الإسناد ضعف المتن؟
لا يلزم من ضعف الإسناد ضعف المتن، كما إنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن.
1 / 14
أما مظان الحديث الضعيف: ١-كامل ابن عدي ٢- الضعفاء للعقيلي ٣- المجروحين لابن حبان ٤- ميزان الاعتدال ٥- المراسيل لأبي داود ٦- المراسيل لابن أبي حاتم ٧- العلل للدارقطني ٨- العلل لابن أبي حاتم ٩- العلل لابن المديني ١٠- نوادر الأصول للحكيم الترمذي ١١- كتب الخطيب البغدادي ١٢- مسند الفردوس ١٣- تاريخ ابن النجار.
المحاضرة الخامسة طرق تخريج الحديث ١٥/جمادى الثانية/١٤٢٥
للتخريج خمس طرق:
* الطريقة الأولى: عن معرفة راوي الحديث من الصحابة، وهذه الطريقة نرجع إليها حينما نعرف اسم الصحابي الذي روى هذا الحديث. وعند تخريجنا لهذه الطريقة نستفيد من مجموعة من الكتب وهي: المسانيد، والمسانيد هي الكتب التي تجمع أحاديث مسند كل صحابي على حدة. مثل مسند أحمد والحميدي، والطيالسي، وأبي يعلى. وكذلك معجم الطبراني الكبير فهو مرتب على حروف المعاجم. وكذلك كتب الأطراف مثل تحفة الأشراف، وإتحاف المهرة وكذا المسند الجامع وجامع المسانيد.
* الطريقة الثانية: فهي على طريقة معرفة أول لفظ من متن الحديث. وهذه طريقة نلجأ إليها حينما نعرف أول متن الحديث. وأفضل كتاب لهذه الطريقة هو كتاب موسوعة أطراف الحديث. وكذلك الكتب التي فيها فهارس والكتب المطبوعة حديثًا. وهناك كثير من الكتب ألفت مرتبة على الفهارس المعجمية مثل صحيح الجامع الصغير، وضعيف الجامع الصغير، والمقاصد الحسنة. وكشف الخفاء.
* أما الطريقة الثالثة: فهي عن طريق معرفة كلمة مشتقة من فعل ثلاثي. مثل «إنما الأعمال بالنيات» فالأعمال أصلها «عمل» والنيات أصلها «نوى» ونستعين على هذه الطريقة بفهارس صحيح مسلم للمرصفي. والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث لونسك، ولمسند أبي يعلى لحسين سليم أسد فهرس في مجلدين.
1 / 15
* أما الطريقة الرابعة: فهي عن طريق معرفة موضوع الحديث. وهو أن نبحث عن الحديث في بابه الفقهي. ونلجأ إليها بالكتب المؤلفة على هذه الطريقة. مثل الجوامع والمستخرجات والمستدركات والسنن. وأحسن شيء لهذه الطريقة. الرجوع لكتب شملت عدة كتب. مثل جامع الأصول، ومجمع الزوائد والمطالب العالية.
* أما الطريقة الخامسة: فهي النظر إلى نوع الحديث فإذا كان الحديث مرسلًا. بحثنا عنه في كتب المراسيل. وإذا كان متواترًا بحثنا عنه في الكتب المتخصصة في ذلك. وإذا كان مشتهرًا على ألسنة الناس نبحث عنه في المقاصد الحسنة وكشف الخفاء. وإذا كان الحديث من أحاديث الأحكام نبحث عنه في الكتب التي تعتني في هذا. مثل إرواء الغليل والتلخيص الحبير. ونصب الراية. وإذا كان الحديث من أحاديث التفسير يبحث عنه في كتب التفاسير المسندة مثل تفسير الطبري، وابن أبي حاتم، والبغوي، وكتب الواحدي.
فعلى المخرج أن يخرج على إحدى هذه الطرق حسب الحال.
1 / 16
عند تخريج أي حديثٍ: يحكم على الأحاديث؛ لأنا لا نستطيع أن نعمل بالحديث حتى نعرف صلاحيته من عدمها ونحن نبحث عن حكم المتقدمين فإذا كان الحديث في الصحيحين، أو في واحد منهما، فهو صحيح. وما دون ذلك يبحث عن أقوال أهل العلم في تصحيح الأحاديث وتعليلها. من ذلك كتب العلل. وكتب التخريج القديمة. وبعض الكتب التي شملت أحكامًا مثل جامع الترمذي، وسنن الدارقطني. أما إذا لم نجد لأهل العلم تصحيحًا ولا تضعيفًا في ذلك الحديث المبحوث عنه. فنعمل قواعد الجرح والتعديل وقواعد المصطلح. وهو أمر صعب. نحن نعلم أن شروط صحة الحديث الاتصال، والعدالة والضبط وعدم الشذوذ وعدم العلة. فإذا تخلف شرط من هذه الشروط عن الحديث فالحديث ضعيف. والشروط الثلاثة الأولى تكون في الإسناد ونستطيع أن نبحث عنها بمراجعة كتب الرجال. أما الشرطان الأخيران فهما يحتاجان إلى الحفظ. ولمعرفة عدالة الراوي وضبطهم نستفيد أكثر شيء من تهذيب الكمال، وميزان الاعتدال، والتقريب، وغيرها من كتب الرجال.
والحكم على الأسانيد على النحو الآتي:
أولًا: إسناده صحيح، إذا كان السند متصلًا بالرواة الثقات، أو فيه من هو صدوق حسن الحديث وقد توبع فهو يشمل السند الصحيح لذاته والسند الصحيح لغيره.
ثانيًا: إسناده حسن إذا كان في السند من هو أدنى من رتبة الثقة وهو الصدوق الحسن الحديث ولم يتابع، أو كان فيه «الضعيف المعتبر به» أو «المقبول» أو «اللين
الحديث» أو «السيئ الحفظ» ومن وصف بأنه «ليس بالقوي» أو «يكتب حديثه وإن كان فيه ضعف»، إذ تابعه من هو بدرجته أو أعلى منزلة منه، فهو يشمل السند الحسن لذاته والحسن لغيره.
ثالثًا: إسناده ضعيف إذا كان في السند من وصف بالضعف، أو نحوه ويدخل فيه: المنقطع، والمعضل، والمرسل، والمدلس رابعًا.
رابعًا: إسناده ضعيف جدًا، إذا كان في السند أحد المتروكين أو من اتهم بالكذب.
1 / 17
المحاضرة السادسة أقسام الضعيف ٢٢/جمادى الآخرة /١٤٢٥
تقدم فيما سبق أن أي شرط يفقده الحديث من شروط القبول أمر يجعل الحديث ضعيفًا، والأحاديث الضعيفة تتنوع بتنوع تلك الشروط غير المتوفرة، فمن خلال استقراء الأحاديث الضعيفة، بان لنا واتضح أن الأحاديث الضعيفة على قسمين:
القسم الأول: ماكان سببه عدم الإتصال.
والقسم الثاني: أسباب أخرى.
وسأذكر تفصيل أنواع القسم الأول، ثم أتكلم عن تفصيل القسم الثاني، فأقول وبالله التوفيق:
إن الإتصال: هو سماع الحديث لكل راو من الراوي الذي يليه، فإذا حصل عدم السماع في سند الحديث فيكون ذلك انقطاعًا، فكل ما فقد الاتصال فهو منقطع، لكن العلماء فصلوا في هذه الانقطاعات، ونوعوها على حسب الانقطاع؛ لتسهيل الاصطلاح، ولتنويع أنواع الانقطاعات حسب شدة الضعف، وأول حديث في صحيح البخاري قال فيه الإمام البخاري:
«حدَّثنا الحميدي (١)، قال: حدَّثنا سفيان (٢)، قال: حدَّثنا يحيى (٣) بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد (٤) بن إبراهيم التيمي: أنه سمع علقمة (٥) بن وقّاص الليثي يقول: سمعت عمر (٦) بن الخطاب ﵁ على المنبر قال: سمعت رسول الله ﷺ ...» .
فهذا سند متصل، فلو فرضنا أن سقطًا في الإسناد حصل، وسقط أحد الرواة، فماذا يسمّى هذا النوع من الانقطاع؟ .
نقول: إذا سقط رقم (١) يسمى الحديث معلّقًا، وإذا سقط رقم (٦) يسمّى الحديث مرسلًا، وإذا سقط رقم (٢) يسمّى الحديث منقطعًا، وإذا سقط رقم (٤ و٥) يسمّى معضلًا، هكذا نوّع المحدّثون أنواع الانقطاعات؛ لفوائد يدركها الناقد.
وسأبدأ مفصلًا لكل نوع من أنواع الانقطاعات:
ألًا: المنقطع: ما سقط من سنده راو واحد، أو أكثر من واحد لا على التوالي.
1 / 18
مثال ذلك: ما رواه الدارقطني ٢/٧ من طريق الزهري، عن أم عبد الله الدوسية، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الجمعة واجبة على أهل كل قرية، وإن لم يكونوا إلا ثلاثة، رابعهم إمامهم» .
فهذا الحديث منقطع؛ فإنَّ الزهري لم يسمع من أمّ عبد الله.
وأمّا مثال ماسقط منه رجلان وهو منقطع: ما أخرجه الترمذي في جامعه (٧٣٩) قال: حدّثنا أحمد بن منيع، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الحجّاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة، قالت: فقدتُ رسول الله ﷺ ليلةً، فخرجتُ فإذا هو بالبقيع، فقال: «أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله»؟ قلت: يا رسول الله، إنّي ظننت أنك أتيتَ بعض نسائك، فقال: «إنَّ الله ﷿ ﷿ ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب»
قال الإمام الترمذي عقب الحديث: «سمعتُ محمدًا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجّاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير» .
وقد أضاف بعض العلماء أن الإبهام في الإسناد يسمّى انقطاعًا أيضًا، مثال ذلك: ما أخرجه أبو داود (٣٩١٧) قال: «حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا وهيب، عن سهيل، عن رجل، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله- ﷺ سمع كلمة فأعجبته، فقال: «أخذنا فألك من فيك» .
والحديث الذي في إسناده رجل مبهم ضعيف عند المحدّثين؛ لأنّنا اشترطنا في الراوي العدالة والضبط، ونحن لا نعلم هذين الشرطين؛ لسبب الإبهام، فضُعف الحديث بسبب ذلك، فكان وجوده كعدمه؛ ولهذا سمّاه بعضهم منقطعًا.
1 / 19
وهذا المبهم وما في معناه ربَّما كان ثقةً، وربَّما كان مجروحًا، ويرجَّح الأخير؛ لأنه لو كان ثقة معلوم القدر والمنزلة، مقبولًا عند من من سمع بذكره لما أبهمه تلميذه، ففي تصرفه ما يشعر بكونه ليس بثقة، ومن خلال استقراء كثير من المبهمات وُجد أغلبها عن ضعفاء، حتى قال الخطيب البغدادي: «قلَّ من يروي عن شيخ فلا يسمّيه، بل يكنّي عنه، إلاّ لضعفه، وسوء حاله» .
وممّا يُعرف به الانقطاع: التنصيص على عدم السماع، ويقع ذلك من الراوي نفسه، وهو قليل، كقول عمر بن مرّة: قلت لأبي عبيدة (يعني ابن عبد الله بن مسعود): تذكر من أبيك شيئًا؟ قال: لا.
وتارةً بتنصيص من روى عنه من الثقات، وتارةً بتنصيص الناقد العارف من جهابذة هذا الفنّ، كما حصل من تصريح البخاري في حديث الترمذي السابق، وذلك بناءًا على الاستقراء، والنظر على عدم الإدراك، أو اللقاء، أو السماع، وكذلك يُعرف عدم السماع بتأريخ وفاة الشيخ، ومولد التلميذ، فإن كان التلميذ ولد بعد وفاة الشيخ، أو كان صغيرًا في سن لا يحتمل السماع، فهو انقطاع، وكذلك يُعرف الانقطاع بوجود قرينة تدل على الانقطاع، كقول الراوي: حدّثتُ عن فلان، أو أخبرتُ عن فلان، وكذلك يُعرف الانقطاع بافتراق بلد الراوي وشيخه، بما يكون قرينة على عدم التلاقي.
وهذه أمور تُدرك بمراجعة كتب الرجال، ومنها: مراسيل ابن أبي حاتم، وجامع التحصيل للعلائي، وتحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي.
والأصل في الحديث المنقطع: أنه ضعيف عند المحدّثين؛ لأنه فقد شرط الاتصال؛ وللجهالة بحال الساقط الذي لم تعرف عدالته، ولا ضبطه. قال الشوكاني: (ولا تقوم الحجّة بالحديث المنقطع، وهو الذي سقط من رواته واحد ممَّن دون الصحابي؛ وذلك للجهل بحال المحذوف من حيث عدالته وضبطه؛ لأنَّ ثبوت هذا شرط لقبول الحديث) .
1 / 20