فقال باهتمام : يخيل إلي أنك ذو خبرة. - عرفت رجلا لم يحرم ممن يحب فحسب، ولكنه حرم من الوجود ذاته! - بالموت؟ - بل في الحياة! - هل داخلكما شك في عقلي؟ - إنه الجنون نفسه. - والعقل أيضا.
فقال بعد تردد: إنك تغمض وتزداد غموضا.
فتساءل بنبرة باسمة: إذن ماذا تقول عن حلمك؟!
22
ورجع نور الدين إلى المدينة يخوض بحار الظلمات .. لم يبل العابد غلته أو بالكاد فعل .. فحثه على البحث ولم يعده بالظفر ولا أنذره باليأس، ثم وضح أنه من المبتلين .. لم يخلق نور الدين للزهد في الدنيا ولكنه خلق لعشق الله في الدنيا .. على ذلك فارق الشيخ عبد الله البلخي يوم فارقه .. لم يملك في تلك اللحظة إلا اليقين بأن محبوبته كائنة في مكان ما، وأنها منطبعة بأثر حبه .. بذلك حدثته نسائم الربيع الهائمة في الليل، كما حدثته ومضات النجوم الهابطة بين القباب والمآذن .. وهتف بصوت مرتفع في وحدته: خفف عذابي يا لطيفا بالعباد.
وإذا بصوت عميق يسأل: من الشاكي في هذه الساعة من الليل؟
انتبه إلى شبح رجلين يعترضان سبيله، فتساءل: أمن رجال الشرطة أنتما؟
فأجاب صاحب الصوت: نحن تاجران غريبان نتسلى عن طول ليلنا بالمشي في حيكم العريق. - أهلا بكما ومرحبا. - ماذا تشكو أيها الشاب؟
وقال زميله: الناس للناس، ولا تضيع الشكوى بين أهل المروءة.
فقال نور الدين مدفوعا بكرمه: أدعوكما إلى داري المتواضعة وهي قريبة.
نامعلوم صفحہ