فهتف بحدة: اغرب عن وجهي، لا أستطيع تركيز فكري في حضورك.
فقام قائلا: سأغيب عنك ساعة، وإذا لم تدعني جاء كبير الشرطة بديلا عني!
قال ذلك وذهب.
10
تركه في جحيم مستعر .. هو يقتل عبد الله البلخي والمجنون؟! أجل، إنه حريص على النعمة ولكنه طيب وضعيف ومؤمن .. وتجاذبته التخيلات، ولكنه كان يتشبث دائما بالأرض عند حافة الهاوية .. وفي ظلمات العذاب أشرق عليه خاطر سعيد .. لم لا يهرب بحسنية والمال؟ واندفع نحو الدار فأمر زوجته بارتداء عباءتها، وعبأ نقوده في بقجة .. سألته زوجته عما يعنيه ذلك، فأخبرها بأنها ستعرف السر عندما يصلان إلى بر الأمان .. وامتطيا بغلتين وانطلقا وفي نيته أن يذهبا إلى مرفأ النهر .. لكنه رأى وهو يقترب من نهاية الشارع خليل فارس كبير الشرطة قادما على رأس قوة من الجند.
11
انفجرت الفضيحة فدوت طبولها في أركان المدينة .. ومشى الرواة باعترافات معروف الإسكافي في كل مكان .. اطمأنت قلوب وتدحرجت قلوب إلى الهاوية .. عرف أن النطع سيستقبل معروف عما قليل وأنه سيلحق بفاضل صنعان، وعلاء الدين .. خرج الفقراء والمساكين من أكواخهم إلى الميادين بلا تدبير .. اندفعوا وراء مشاعرهم القلقة الدفينة .. وفي تجمع لا مثيل له .. وجدوا أنفسهم جسما عملاقا لا حدود له، يجأر بالاحتجاج والخوف من المستقبل .. سيتلاشى معروف فيتلاشى الرزق وتكفهر لهم الوجوه من جديد، تبودلت أنات الشكوى في هيئة همسات مبحوحة، ثم غلظت واحتدمت بالمرارة، ثم تلاطمت كالصخور، وبسبب من القوة المتجسدة المخلوقة من عدم تأجج الغضب .. شعروا بأنهم سد منيع بتكتلهم، وأنهم طوفان إذا اندفع: معروف بريء. - معروف رحيم. - معروف لن يموت. - الويل لمن يمسه بسوء.
وما إن نادى صوت بالذهاب إلى دار الحاكم حتى اندفعت الجموع كأنها سيل ينصب من فوق قمة جبل تبعث في الجو هديرا .. وعند أول شارع دار الإمارة اعترضهم الجنود المدججون بالسلاح .. سرعان ما نشبت معركة بين السهام والزلط، تواصلت في عنف تحت غيم ينذر بالمطر .. وقبيل الغروب دوت طبول وصاح مناد: كفوا عن الشغب .. مولانا السلطان قادم بنفسه.
تحاجز الفريقان وساد الصمت .. جاء الموكب السلطاني في قوة كبيرة من الفرسان، ودخل شهريار دار الإمارة محوطا برجال دولته .. استغرق التحقيق طيلة الليل .. وخرج المنادي قبيل الفجر ورذاذ يتساقط في نعومة يغسل الوجوه المشتعلة بالقلق .. توقع العباد توقعات كثيرة ولكن لم يبلغ بهم الخيال ما حصل .. صاح المنادي: جرت مشيئة السلطان بنقل الحاكم إلى رياسة حي آخر، على أن يقلد ولاية الحي معروف الإسكافي!
تعالت الهتافات مدوية، وثمل العباد بالفوز المبين.
نامعلوم صفحہ