فتساءل بحدة: أي خير ثمة وراء تهريب أعداء الدين؟ - إنهم في رأيك الهداة، وما أنت إلا أحدهم، فلا تحاول العبث بي.
فقال بتصميم ورجاء: دعني أفعل ما أشاء، ثم افعل بعد ذلك ما بدا لك!
وإذا بالطاقية تنزع من فوق رأسه فيتجسد في زحمة السابلة بميدان الرماية .. فزع من وقع المفاجأة .. وقبل أن يفيق من فزعه أعاد الآخر الطاقية إلى رأسه وهو يقول: التزم بما تعاهدنا عليه لأعاملك بالمثل.
14
لكنه لم يسعد بالنجاة .. شاعت في مذاقه مرارة راسخة .. تساءل كيف يمكنه أن ينقذ أقرانه وإخوانه .. اختنق بالقبضة الحديدية التي تطوقه .. إنه عبد الطاقية وصاحبها كما أنه أسير الظلام والعدم .. كلا، إنه لا يسعد بالنجاة ويخجل منها .. وحتى اليأس مهما ارتكب من حماقات لم تستطع أن تقتلع من قلبه أنغامه القديمة .. وحن إلى بعث فاضل القديم بأي ثمن .. أجل، إن فاضل القديم مضى وانقضى، ولكن ما زال في الطريق متسع لعمل .. ومن أعماق الظلمات ومض شعاع .. انتعشت روحه لأول مرة منذ دهر .. وبث حياة في إرادته .. تفجرت شجاعته في صورة إلهام صاعد .. ورفعته موجة استهانة وتحد فوق الحياة والموت فتطلع من فوق ذروتها إلى أفق واعد .. واعد بالموت النبيل .. بذلك يسترد فاضل صنعان ولو جثة هامدة .. ولم يتردد فمضى بعزم جديد نحو دار الحاكم .. ومر به المجنون وهو يردد: «لا إله إلا الله ، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير».
فتمادى في النشوة والاقتحام .. وما ارتعب عندما تراءى له «الآخر»، فقال له: إليك عني.
ونزع الطاقية من فوق رأسه ورمى بها في وجهه قائلا: افعل ما بدا لك.
قال له: سوف يمزقونك ويمثلون بك.
فهتف: إني أعرف مصيري خيرا منك. - سوف تندم حيث لا ينفع ندم.
فصاح: إني أقوى منك.
نامعلوم صفحہ