طبقات کبریٰ للشعرانی
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
اشاعت کا سال
1315 هـ
والحد، فيكون طريقا إلى الشهود الكلي الذاتي، فافهم يا أخي ولا يصدنك عن تلقي هذه المعاني الغريبة عن فهوم العلوم من هذه الطائفة الشريفة، قول ذي جدل ومعارضة إن هذا إحالة لكلام الله تعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية الشريفة، أو الحديث إلا هذا الذي قلناه، وهم لم يقولوا ذلك بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى في نفوسهم، ما يفهمهم بفضله ويفتحه على قلوبهم برحمته ومنته.
ومعنى الفتح في كلام هؤلاء القوم حيث أطلقوه كشف حجاب النفس، أو القلب، أو الروح، أو السر لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب العزيز، والأحاديث الشريفة.
إذ الوالي قط لا يأتي بشرع جديد، وإنما يأتي بالفهم الجديد في الكتاب، والسنة الذي لم يكن يعرف لأحد قبله، ولذلك يستغربه كل الاستغراب من لا إيمان له بأهل الطريق، ويقول: هذا لم يقله أحد، على وجه الذم، وكان الأولى أخذه منه على وجه الاعتقاد واستفادته من قائله، ومن كان شأنه الإنكار لا ينتفع بأحد من أولياء عصره، وكفى بذلك خسرانا مبينا، وربما يفهم المعترض من اللفظ ضد ما قصده لافظه، كما وقع لشخص من علماء بغداد أنه خرج يوما إلى الجامع فسمع شخصا من شربة الخمر ينشد:
إذا العشرون من شعبان ولت ... قواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فإن الوقت ضاق عن الصغار
فخرج هائما على وجهه للبراري إلى مكة، فلم يزل على ذلك الحال إلى أن مات، فما منع من سماع الأشعار، والتغزلات، إلا المحجوب الذي لم يفتح الله تعالى على عين فهم قلبه، إذ لو فتح الله تعالى على عين فهم قلبه، لنظر بصفاء الهمة، وسمع بثاقب الفهم، ونور المعرفة وأخذ الإشارة من معاني الغيب واتبع أحسن القول بحسب ما سبق إلى سره قال تعالى: " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب " الزمر: 17، 18. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه، ولقد ابتلى الله هذه الطائفة الشريفة بالخلق خصوصا أهل الجدال فقل أن تجد منهم أحدا شرح الله صرده للتصديق بولي معين، بل يقول لك: نعم نعلم أن لله تعالى أولياء وأصفياء موجودين، ولكن أين هم فلا تذكر لهم أحدا، إلا أخذ يدفعه، ويرد خصوصية الله تعالى له، ويطلق اللسان بالاحتجاج، على كونه غير ولي لله تعالى وغاب عنه أن الولي لا يعرف صفاته إلا الأولياء، فمن أين لغير الولي نفي الولاية عن إنسان.
ما ذاك إلا محض تعصب، كما نرى في زماننا هذا من إنكار ابن تيمية علينا، وعلى إخواننا من العارفين، فاحذر يا أخي ممن كان هذا وصفه وفر من مجالسته فرارك من السبع الضاري جعلنا الله وإياكم من المصدقين لأوليائه المؤمنين بكراماتهم بمنه وكرمه انتهى.
وحكى الموصلي في كتاب مناقب الأبرار عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه، أنه كان يقول: إياك ومجالسة القراء، فإنهم إن أحبوك وصفوك بما ليس فيك، فغطوا عليك عيوبك، وإن أبغضوك جرحوك بما ليس فيك، وقبله الناس متهم.
قال سيدي الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: وقد جرت سنة الله تعالى في أنبيائه وأصفيائه أن يسلط عليهم الخلق في مبدأ أمرهم، وفي حال نهايتهم، كلما مالت قلوبهم لغير الله تعالى، ثم تكون الدولة، والنصرة لهم في آخر الأمر، إذا أقبلوا على الله تعالى كل الإقبال. انتهى. قلت: وذلك لأن المريد السالك يتعذر عليه الخلوص والسر إلى حضرة الله عز وجل مع ميله إلى الخلق، وركونه إلى اعتقادهم فيه، فإذا آذاه الناس، وذموه، ونقصوه، ورموه بالبهتان، والزور نفرت نفسه منهم، ولم يصر عنده ركون إليهم البتة، وهناك يصفو له الوقت مع ربه، ويصح له الإقبال عليه لعدم التفاته إلى وراء، فافهم ثم إذا رجعوا بعد انتهاء سيرهم إلى إرشاد الخلق يرجعون، وعليهم خلعة الحلم، والعفو، والستر، فتحملوا أذى الخق، ورضوا عن الله تعالى في جميع ما يصرد عن عباده في حقهم فرفع الله بذلك قدرهم بين عباده، وكمل بذلك أنوارهم، وحقق بذلك ميراثهم للرسل في تحمل ما يرد عليهم من أذى الخلق، وظهر بذلك تفاوت مراتبهم، فإن الرجل يبتلي على حسب دينه قال الله تعالى: " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما " السجدة: 24. وقال تعالى: " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا
صفحہ 6