طبقات کبریٰ للشعرانی
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
اشاعت کا سال
1315 هـ
وفسادهم بميلهم إلى الدنيا، وإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه، فكيف يداوي غيره، وكان رضي الله عنه يقول: إذا لم يكن تحت الحنك من العمامة شيء فهي عمامة إبليس، وكان يقول من تصدر للعلم قبل أن يحتاج إليه أورثه ذلك الذل، كان يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل حتى يضر به الجوع شغلا عنه بما هو فيه من العبادة.
وكتب إلى عابد من العباد اعلم يا أخي أنك في زمان كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذون أن يدركوه، ومعهم من العلم ما ليس معنا، ولهم من القدم ما ليس لنا، فكيف بنا حين أدركناه على قلة العلم وقلة الصبر وقلة الأعوان على الخير، وفساد من الزمان، فعليك بالأمر الأول والتمسك به، عليك بالخمور فإن هذا زمان خمول، وعليك بالعزلة وقلة مخالطة الناس، فقد كان الناس إذا التقوا ينتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك، فالنجاة الآن في تركهم فيما ترى وإياك يا أخي والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء، ويقال لك تشفع أو تدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة، فإن ذلك من خديعة إبليس، إنما اتخذ ذلك القراء سلما للقرب منهم، واصطيادا للدنيا بذلك وكان رضي الله عنه يقول: لو علمت من الناس أنهم يريدون بالعلم وجه الله تعالى لأتيت إلى بيوتهم، فعلمتهم ولكن إنما يريدون به مجاراة الناس وأن يقولوا حدثنا سفيان، وكانوا إذا قالوا له حدثنا ما أراكم أهلا للحديث، ولا أرى نفسي أهلا لأن أحدث، وما مثلي ومثلكم إلا كما قال القائل افتضحوا فاصطلحوا وكان رضي الله عنه يقول ما كفيت من المسألة والفتيا فلا تزاحم فيه، وكان يقول قد ظهر من الناس الآن أمور يشتهي الرجل أن يموت قبلها، وما كنا نظن أننا نعيش لها وكان يقول: ما كنت أظن أن أعيش إلى زمان إذا ذكرت الأحياء ماتت القلوب، وإذا ذكرت الأموات حييت القلوب، وكان رضي الله عنه يقول: إلهي البهائم يزجرها الراعي فتنزجر عن هواها وأراني لا يزجرني كتابك عما أهواه فيا سوأتاه.
وكان يقول: قال رجل لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أوصني قال انظر خبزك من أين هو وقيل له إن فلانا يدخل على المهدي ويقول أنا في خلاص من تبعاته فقال كذب، والله أما أرى إسرافه في ملبسه ومأكله وملبس خدمه وخيله ورجله هل قال له قط يوما إن هذا لا يليق بك هذا من بيت مال المسلمين وكان يقول رضا الملحين غاية لا تدرك.
وكان يقول: المال في زماننا هذا سلاح للمؤمن وكان يقول أحب لطالب العلم أن يكون في كفاية فإن الآفات وألسن الناس تسرع إليه إذا احتاج وذل وكان رضي الله عنه يقول: لا طاعة للوالدين في الشبهات وكان يقول: إنما يطلب العلم ليتقي به الله تعالى فمن ثم فضل على غيره، ولولا ذلك كان كسائر الأشياء، وكان يقول: شكوى المريض إلى أحد من إخوانه ليس من شكوى الله عز وجل، وكان يقول للمهدي في وجهه: احذر من هؤلاء الأعوان، والمترددين إليك من الفقراء، فإن هلاكك على أيديهم يأكلون طعامك، ويأخذون دراهمك، ويغشونك ويمدحونك بما ليس فيك، وكان رضي الله عنه يقول: أئمة العدل خمسة أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، من قال غير هذا فقد اعتدى وقوموا ثياب الثوري التي عليه حتى النعل فبلغ درهما وأربعة دوانق، وكان رضي الله عنه لا يجلس في صدر مجلس قط إنما كان يقعد في جنب حائط يجمع بين ركبتيه، وكان يقول: لا يأمر السلطان بالمعروف إلا رجل عالم بما يأمر وينهي رفيق بما يأمر، وينهى عدل في ذلك وقال له رجل: ذهب الناس يا أبا عبد الله وبقينا على حمر دبرة.
فقال الثوري: ما أحسن حالها لو كانت على الطريق ، وكان رضي الله عنه يقول: إذا بلغك عن قرية أن بها رخصا، فارحل إليها فإنه أسلم لقلبك ودينك وأقل لهمك، وكان رضي الله عنه يقول: لا تجب أخاك إلى طعام إلا إن كنت ترى أن قلبك يصلح على طعامه.
ونصح يوما إنسانا رآه في خدمة الولاة، فقال: فما أصنع بعيالي؟ فقال: ألا تسمعون لهذا يقول: إنه إذا عصى الله رزق عياله، وإذا أطاعه ضيعهم، ثم قال رضي الله عنه: لا تقتدوا قط بصاحب عيال، فإنه قل صاحب عيال أن يسلم من التخليط، وعذره دائما في أكل الشبهات والحرام قوله: عيالي، وكان يقول: لو أن عبدا عبد الله تعالى بجميع المأمورات إلا أنه يحب الدنيا إلا نودي عليه يوم القيامة على رؤوس أهل الجمع ألا إن هذا فلان بن فلان قد أحب ما أبغض الله تعالى، فيكاد لحم وجهه يسقط من الخجل وكان رضي الله عنه يقول: لأن أخلف عشرة آلاف دينار أحاسب
صفحہ 41